الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
إخواني إنكم مخلوقون اقتدارًا ومربوبون اقتسارًا ومضمنون أجداثًا وكائنون رفاتًا ومبعوثون أفرادًا فاتقوا الله تقية من شمر تجريدًا وجد تشميرًا ونظر في المآل وعاقبة المصير ومغبة المرجع وكفى بالجنة نوالًا وبالنار نكالا فرحم الله عبدًا اقترف فاعترف ووجل فعمل وحاذر فبادر وعمر فاعتبر وأجاب فأناب وراجع فتاب وتزود لرحيله وتأهب لسبيله فهل ينتظر أهل غضاضة الشباب إلا الهرم وأهل بضاعة الصحة إلا السقم وأهل طول البقاء إلا مفاجأة الفناء واقتراب الفوت ونزول الموت وأزف الانتقال وإشفاء الزوال وحفز الأنين وعرق الجبين وامتداد العرنين وعظم القلق وقبض الرمق جعلنا الله وإياكم ممن أفاق لنفسه وفاق بالتحفظ أبناء جنسه وأعد عدة تصلح لرمسه واستدرك في يومه ما مضى من أمسه قبل ظهور العجائب ومشيب الذوائب وقدوم الغائب وزم الركائب إنه سميع الدعاء. اهـ.
ويجوز تخفيفها بإلقاء حَرَكَة الهَمْزة على الواو، وهي قراءة الزُّهري، وحينئذٍ لا يجوزُ قَلْبُ هذه الواو ألِفًا، وإن صدق عليها أنَّها حرْف علّةٍ متحرك مُنْفَتِحٌ ما قبله؛ لأنَّ حركتها عَارِضة، ومثلُها «جَيَل» و«توم» مُخَفَّفَيْ «جَيْألَ» و«تَوْءَم»، ويجوزُ أيضًا قلبُ هذه الهمزة واوًا، وإدغامُ ما قبلها فيها تَشبيهًا للأصلي بالزَّائِد وهي لُغة يَقُولون في «شَيْء» و«ضَوْء»: شَيّ وضوّ، قال الشَّاعر: [البسيط] وبهذا قرأ أبُو جعفر.قوله تعالى: {يَا ويْلَتَا} قلب يَاء المُتَكلم ألِفًا، وهي لغة فاشيةٌ في المُنَادى المضاف إليها، وهي إحدى اللُّغات السِّت، وقد تقدم ذكرُها.وقُرِئ كذلك على الأصْلِ وهي قِرَاءة الحسن البَصْرِيِّ.والنِّدَاء وإن كان أصلُه لِمَنْ يتأتَّى منه الإقْبَالُ وهم العقلاءُ، إلا أنَّ العرب تتجوَّز فتُنَادِي ما لا يَعْقِلُ.وهذه كلمة تُسْتَعمل عند وُقُوعِ الدَّاهِيَة العظيمة ولفظُهَا لفظ النِّداء، كأن الوَيْل غير حَاضِر عِنْده، والمعنى يا وَيْلَتَى احضُري، فهذا أوانُ حُضُورك، ومثله: {يا حسرة عَلَى العباد} [يس: 30]، {يا حسرتى على مَا فَرَّطَتُ} [الزمر: 56]، وأمال حمزة، والكسائي، وأبُو عمرو في رواية الدَّوْري ألف {حَسْرَتَا}، والجمهور قرأ {أعَجَزْتُ} بفتح الجيم، وهي اللُّغة الفَصِيحَة، يقال: «عَجَزْت» بالفتح في الماضي، «أعْجِزُ» بِكَسْرها في المُضَارع.وقرأ الحسن، وابن عبَّاس، وابنُ مسعُود، وطلحة بكسرها وهي لغة شاذَّة، وإنَّما المشهور أن يُقَال: «عَجِزت المرأة» بالكَسْر أي كَبُرت عَجِيزتُهَا، و{أن أكون} على إسْقَاط الخَافِض، أي: عَنْ أنْ أكونَ، فلما حُذِف جَرَى فيها الخلاف المَشْهُور.قوله تعالى: {فَأوَارِيَ}.قرأ الجمهورُ بنصب الياء، وفيها تَخْرِيجان:أصحهما: أنه عطف على {أكون} المنصوبة بـ {أنْ} منتظمًا في سِلْكِهِ، أي: أعجَزْت عن كوني مُشْبِهًا للغُرَاب فَمُوَاريًا.والثاني: قاله الزمخْشَريُّ، ولم يذكر غيره أنَّه منْصوب على جواب الاستفهام في قوله: {أعجَزْتُ}، يعني: فَيَكونُ من باب قوله: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا} [الأعراف: 53].ورده أبو البقاء بعد أن حَكَاهُ عن قَوْمٍ، قال: وذكر بعضهم: أنه يجُوزُ أن يَنتصب على جواب الاستفهام؛ وليس بِشَيء، إذ ليس المَعْنى: أيكون منِّي عجز فَمُواراة، ألا ترى أن قولك: «أين بَيْتُكَ فأزُوركَ» معناه: لو عَرَفْتُ لزرتُ ليس المَعْنَى هنا «لو عَجَزت لوَاريت».قال شهاب الدين: وهذا الرَّدُ على ظاهره صَحِيحٌ.وبَسْطُ عبارة أبي البَقَاء: أنَّ النُّحاة يَشْتَرِطون في جواز نَصْب الفعْلِ بإضمار «أنْ» بعد الأشياء الثمانية- غير النَّفْي- أن يَنحلَّ الكلامُ إلى شرطٍ وجَزَاء فإن انعقد منه شَرْط وجزاء صَحَّ النَّصْبُ، وإلاَّ امتنعَ، ومنه «أيْن بيتُك فأزُورَك أي إن عَرّفتني بَيْتَك أزُورَك».وفي هذا المقام لو حَلَّ منه شرط وجَزَاء لفسد المعنى؛ إذ يصير التَّقْدِيرُ: إنْ عَجَزْت وارَيْت، وهذا ليس بِصَحِيح؛ لأنه إذاعَجز كيف يُوَارِي.وردَّ أبو حيَّان على الزَّمخشريِّ بما تقدَّم، وجعله غَلَطًا فاحِشًا وهو مَسْبُوقٌ إليه كما رأيت، فأساءَ عليه الأدبَ بشيء نَقَلَهُ عن غيره الله أعلمُ بصحَّتِهِ.وقد قرأ الفَيَّاض بن غَزْوَان، وطلحة بن مصرف «بسكون الياء»، وخرَّجها الزمخشري على أحد وجهين:إمَّا القَطْع، أي: فأنا أوَاري، وإمَّا على التَّسْكِين في موضع النصب تخفيفًا.وقال ابنُ عطيَّة: «هي لغة لتوالي الحركات».قال أبو حيَّان: «ولا يصلح أن تعلَّلَ القِرَاءة بهذا ما وُجِد عنه مندُوحَةٌ؛ إذ التَّسْكينُ في الفَتْحَة لا يجُوز إلاَّ ضرورة، وأيضًا فلم تتوالَ حركات».وقوله: {فَأَصْبَحَ} بمعنى «صَارَ».قال ابن عطيَّة: قوله: «أصْبَح» عبارة عن جميع أوْقَاتِه قيم بَعْض الزَّمان مكان كله، وخُصَّ الصَّباحُ بذلك لأنه بَدْءُ النهار، والانبعاث إلى الأمُور، ومَظَنَّةُ النَّشَاط، ومنه قولُ الرَّبِيع: [المنسرح] وقول سعد بن أبي وقَّاص: ثم أصَبْحَت بنو أسد تعزرني على الإسلام إلى غير ذلك.قال أبو حيَّان: وهذا التَّعْليل الذي ذكره؛ لكون «أصْبَح» عبارة عن جميع أوْقاته، وإنما خصَّ الصَّبَاح لكونه بَدْءُ النَّهَار ليس بِجَيّد؛ لأن العرب اسْتَعْمَلَت «أضْحَى» و«بَاتَ» و«أمْسَى» بمعنى «صَار»، وليس شيء منها بَدْء النَّهَار.قال شهاب الدين: وكيف يُحْسِن أن يردَّ على أبي محمد بِمِثْل هذا، وهُوَ لم يَقُل: إنها لمَّا أُقِيمَت مقام أوْقَاته للعلَّةِ الَّتي ذكرها تكونُ بمعنى «صَار»، حتَّى يلزمَ بأخواتها نَاقِصة عليه، وسيأتي الكلام على ذلك في «الحُجُرَات» عند قوله تعالى: {فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الآية: 6]- إن شاء الله تعالى-. اهـ.
|