الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومثله في نوادر أبي زيد: الرجز: كأنه قال: (ألم نشرحن) ثم أبدل من النون ألفاً ثم حذفها تخفيفاً، وهي قراءة مردودة، و(الوزر) الذي وضعه الله عنه هو عند بعض المتأولين الثقل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيرته قبل المبعث إذ كان يرى سوء ما قريش فيه من عبادة الأصنام. وكان لم يتجه له من الله تعالى أمر واضح، فوضع الله تعالى عنه ذلك الثقل بنبوته وإرساله.وقال أبو عبيدة وغيره المعنى: خففنا عليك أثقال النبوة وأعناك على الناس، وقال قتادة وابن زيد والحسن وجمهور من المفسرين: الوزر هنا، الذنوب، وأصله الثقل، فشبهت الذنوب به، وهذه الآية نظير قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل النبوة وزره صحبة قومه وأكله من ذبائحهم ونحو هذا، وقال الضحاك: وفي كتاب النقاش حضوره مع قومه المشاهد التي لا يحبها الله تعالى.قال القاضي أبو محمد: وهذه كلها ضمها المنشأ كشهوده حرب الفجار ينبل على أعماله وقلبه، وفي ذلك كله منيب إلى الصواب، وأما عبادة الأصنام فلم يلتبس بها قط.وقرأ أنس بن مالك {وحططنا عنك وزرك}، وفي حرف ابن مسعود {وحللنا عنك وقرك}. وفي حرف أبي {وحططنا عنك وقرك}، وذكر أبو عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم صوب جميعها، وقال المحاسبي: إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل، وهي صغائر مغفورة لهمهم بها وتحسرهم عليها، و{أنقض} معناه جعله نقضاً، أي هزيلاً معيباً من الثقل، وقيل معناه أسمع له نقيضاً وهو الصوت، وهو مثل نقيض السفن وكل ما حملته ثقلاً فإنه ينتقض تحته، وقال عباس بن مرداس: الطويل: وقوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} معناه، نوهنا باسمك، وذهبنا به كل مذهب في الأرض، وهذا ورسول الله بمكة، وقال أبو سعيد الخدري والحسن ومجاهد وقتادة: معنى قوله: {ورفعنا لك ذكرك} أي قرنا اسمك باسمنا في الأذان والخطب.وروي في هذا الحديث إن الله تعالى قال إذا ذكرت معي. وهذا متجه إلى ان الآية نزلت بمكة قديما والأذان شرع بالمدينة ورفع الذكر نعمة على الرسول وكذلك هو جميل حسن للقائمين بأمور الناس وخمول الاسم والذكر حسن للمنفردين للعبادة وقد جعل الله تعالى النعم أقساما بحسب ما يصلح لشخص شخص وفي الحديث «إن الله تعالى يوقف عبدا يوم القيامة فيقول له ألم أفعل بك كذا وكذا يعدد عليه نعمه ويقول في جملتها ألم أحمل ذكرك في الناس» والمعنى في هذا التعديد الذي على النبي صلى الله عليه وسلم أي يا محمد قد فعلنا بك جميع هذا فلا تكترث بأذى قريش.الشرح: (5- 6){فإن مع العسر.....} فإن الذي فعل بك هذه النعم سيظفرك بهم وينصرك عليهم ثم قوى رجاءه بقوله: {فإن مع العسر يسرا} أي ما تراه من الأذى فرج يأتي وكرر تعالى ذلك مبالغة وتثبيتا للخير فقال بعض الناس المعنى {إن مع العسر يسرا} في الدنيا وإن مع العسر يسرا في الآخرة وذهب كثير من العلماء إلى ان مع كل عسر يسرين بهذه الآية من حيث العسر معروف للعهد واليسر منكر فالأول غير الثاني وقد روي في هذا التاويل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن يغلب عسر يسرين».واما قول عمر به فنص في الموطأ في رسالته إلى أبي عبيدة بن الجراح.وقرأ عيسى ويحيى بن وثاب وأبو جعفر (العسر واليسر) بضمتين وقرأ ابن مسعود {فإن مع العسر يسرا} واحدًا غير مكرر ثم امر تعالى نبيه إذا فرغ من شغل من أشغال النبوة والعبادة ان ينصب في آخر والنصب التعب فالمعنى ان يرأب على ما امر به ولا يفتر.الشرح: (7) {فإذا فرغت فانصب}وقال ابن عباس المعنى {فإذا فرغت} من فرضك {فانصب} في النفل عبادة لربك وقال ابن مسعود {فانصب} في قيام الليل وعن مجاهد، {فإذا فرغت} من شغل دنياك {فانصب} في عبادة ربك وقيل المعنى إذا فرغت من الركعات فاجلس في التشهد وانصب في الدعاء وقال ابن عباس وقتادة معنى الكلام {فإذا فرغت} من العبادة {فانصب} في الدعاء.وقال الحسن بن أبي الحسن المعنى {فإذا فرغت} من الجهاد {فانصب} في العبادة ويعترض هذا التأويل بان الجهاد فرض بالمدينة وقرأ أبو السمال {فرغت} بكسر الراء وهي لغة وقرأ قوم {فانصب} بشد الباء وفتحها ومعناه إذا فرغت من الجهاد {فانصب} إلى المدينة ذكرها النقاش منبها على انها خطأ وقرأ آخرون من الإمامية {فانصب} بكسر الصاد بمعنى إذا فرغت من امر النبوة {فانصب} خليفة وهي قراءة شاذة ضعيفة المعنى لم تثبت عن عالم ومر شريح على رجلين يصطرعان وقال ليس بهذا امر الفراغ تلا هذه الآية.الشرح: (8) وإلى ربك فارغب وقوله تعالى: {وإلى ربك فارغب} امر بالتوكل على الله تعالى وصرف وجه الرغبات اليه إلى سواه وقرأ أبن ابي عبلة {فرغب} بفتح الراء وشد الغين مكسورة، نجز تفسيرها والحمد لله على كل حال. اهـ.
وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به، حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، ثم شهر ذكره في أمته فلا يُذكر الله إلا ذُكر معه.وما أحسن ما قال الصرصري، رحمه الله: وقال أيضًا: وقوله: {فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا إِنَّ مَعَ العسر يسرا} أخبر تعالى أن مع العسر يوجَدُ اليسر، ثم أكد هذا الخبر.قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا حُميد بن حماد بن خَوَار أبو الجهم، حدثنا عائذ بن شُريح قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا وحياله حجر، فقال: «لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه»، فأنزل الله عز وجل: {فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا إِنَّ مَعَ العسر يسرا}.ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن مَعْمَر، عن حُميد بن حماد، به ولفظه: «لو جاء العسر حتى يدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يخرجه» ثم قال: {فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا إِنَّ مَعَ العسر يسرا} ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح.قلت: وقد قال فيه أبو حاتم الرازي: في حديثه ضعف، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة، عن رجل، عن عبد الله بن مسعود موقوفا.وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا أبو قَطَن حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين.وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن الحسن قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا مسرورًا فرحًا وهو يضحك، وهو يقول: «لن يَغْلِب عُسْر يسرين، لن يغلب عسر يسرين، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا».وكذا رواه من حديث عوف الأعرابي ويونس بن عبيد، عن الحسن مرسلا.وقال سعيد، عن قتادة: ذُكِرَ لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال: «لن يغلب عسر يسرين».ومعنى هذا: أن العسر معرف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر فتعدد؛ ولهذا قال: «لن يغلب عسر يسرين»، يعني قوله: {فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا إِنَّ مَعَ العسر يسرا} فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد.وقال الحسن بن سفيان: حدثنا يزيد بن صالح، حدثنا خارجة، عن عباد بن كثير، عن أبي الزناد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نزل المعونة من السماء على قدر المؤونة، ونزل الصبر على قدر المصيبة».ومما يروى عن الشافعي، رضي الله عنه، أنه قال: وقال ابن دُرَيد: أنشدني أبو حاتم السجستاني: وقال آخر: وقوله: {فَإِذَا فرغت فانصب وَإِلَى رَبِّكَ فارغب} أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها، فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة. ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان».وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء، فابدءوا بالعَشَاء».قال مجاهد في هذه الآية: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة، فانصب لربك، وفي رواية عنه: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك، وعن ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل.وعن ابن عياض نحوه. وفي رواية عن ابن مسعود: {فانصب وَإِلَى رَبِّكَ فارغب} بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس.وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {فَإِذَا فرغت فانصب} يعني: في الدعاء.وقال زيد بن أسلم، والضحاك: {فَإِذَا فرغت} أي: من الجهاد {فانصب} أي: في العبادة.{وَإِلَى رَبِّكَ فارغب} قال الثوري: اجعل نيتك ورغبتك إلى الله، عز وجل.آخر تفسير سورة (ألم نشرح) ولله الحمد. اهـ.
|