الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وهذه دقة البيان القرآني التي توضح مقام الإحسان، فيكون في ما لهم حق للسائل والمحروم، وليس هناك قدر معلوم للمال الذي يخرج، لأن المقام هنا مقام الإحسان الذي يعلو مقام الإيمان، ومقام الإيمان- كما نعرف- قد جاء ذكره في قوله الحق: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المعارج: 24- 26].فالإنسان في مقام الإيمان قد يقيد الإخراج من ماله بحدود الزكاة أو فوقها قليلا، لكن في مقام الإحسان فلا حدود لما يخرج من المال. وهكذا نعرف أن أهل الكتاب ليسوا سواء؛ فمنهم من دخل الإسلام من باب الإحسان، فقال فيهم الحق: {لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}، وكأن الحق بهذا الاستثناء الواضح. ويؤكد لنا أننا لا يصح أن نظن أن أهل الكتاب جميعهم هم الذين جاء فيهم قوله: {ذلِكَ بأنهمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} لا؛ فأهل الكتاب ليسوا سواء، ولذلك لا يكون حكم الله منسحبا عليهم جميعا، فمن أهل الكتاب جماعة قائمة بتلاوة القرآن آناء الليل وهم يسجدون، إنهم أمة قائمة، وكلمة قائم هي ضد قاعد، والقعود غير الجلوس، فالجلوس يكون عن الاضطجاع فيقال: كان مضطجعا فجلس.لكن عندما نقول: كان قائما فإننا نقول فقعد، فالقعود يكون بعد القيام. والقعود في الصلاة مريح، أما القيام فهو غير مريح، ونحن نعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقف في الصلاة حتى تتورم قدماه؛ لأن الثقل كله على القدمين، ولكن عندما نقعد فنحن نوزع الثقل على جملة أعضاء الجسم. وعندما يصفهم الحق: {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} فمعنى ذلك أنهم أخذوا أمانة أداء الفروض بكل إخلاص، وكانوا يؤدون الصلاة باستدامة وخشوع. ويستمر الحق في وصفهم في الآية التالية: {يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَائِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}.وهم بالإيمان بالله واليوم الآخر، وبالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إنما يتصفون بالصفات التي أوردها الله صفة لخير أمة أخرجت للناس وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم. لقد دخل هذا البعض من أهل الكتاب بثقلهم- ومن أول الأمر- في مقام الإحسان، وما داموا قد دخلوا في مقام الإحسان فهم بحق كانوا مستشرفين لظهور النبي الجديد. وبمجرد أن جاء النبي الجديد تلقفوا الخيط وآمنوا برسالته، وصاروا من خير أمة أخرجت للناس. ويكمل الحق سبحانه صفاتهم بقوله: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} وهذا كمثل قوله سبحانه وتعالى في حق المؤمنين: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].ونحن نعرف أن هناك فرقا بين السرعة والعجلة فالسرعة والعجلة يلتقيان في تقليل الزمن بالنسبة للحدث، ومثال ذلك أن يقطع إنسان المسافة من مكان إلى مكان في زمن معين، والذي يسرع في قطع المسافة هو الذي يستغرق من الزمن أقل وقت ممكن ولكن هناك اختلاف بين السرعة والعجلة، وأول خلاف بينهما يتضح في المقابل، فمقابل السرعة الإبطاء، ويقال: فلان أسرع، وعلان أبطأ ومقابل العجلة هو الأناة فيقال: فلان تأنى في اتخاذ القرار. فالسرعة ممدوحة ومقابلها وهو الإبطاء مذموم، والعجلة مذمومة، ومقابلها هو التأني ممدوح؛ لأن السرعة هي التقدم فيما ينبغي التقدم فيه، والعجلة هي التقدم فيما لا ينبغي التقدم فيه، ولذلك قيل في الأمثال: في العجلة الندامة وفي التأني السلامة وقال الحق: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133].وهو سبحانه هنا يقول: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي كلما لمحت لهم بارقة في الخير فهم يسرعون إليها، أي أنهم يتقدمون فيما ينبغي التقدم فيه، إنهم يعلمون أن الإسراع إلى الخير حدث، وكل حدث يقتضي حركة، والحركة تقتضي متحركا والمتحرك يقتضي حياة، فما الذي يضمن للإنسان أن تظل له حياة، لذلك يجب أن تسرع إلى الخيرات، وسيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه كان ينام القيلولة، وكان حاجبه يمنع الناس من إيقاظ الخليفة، فجاء ابن عمر بن عبد العزيز وقال للحاجب:أريد أن أدخل على أمير المؤمنين الساعة، فمنعه الحاجب قائلا: إنها ساعة يستريح فيها وهو لا يستريح من الليل أو النهار إلاّ فيها، فدعه ليستريح. وسمع سيدنا عمر بن عبد العزيز الضجة، فسأل الحاجب. قال الحاجب: أنه ابنك، ويريد أن يدخل عليك وأنا أطالبه ألا يدخل حتى تستريح. قال عمر بن عبد العزيز للحاجب: دعه يدخل. فلما دخل الابن على أبيه، قال الابن: يا أبي بلغني أنك ستخرج ضيعة كذا لتقفها في سبيل الله.قال عمر بن عبد العزيز؛ أفعل إن شاء الله. غدا نبرمها. قال الابن متسائلا: هل يبقيك الله إلى غد؟ فقال عمر بن عبد العزيز وهو يبكي: الحمد لله الذي جعل من أولادي من يعينني على الخير.لقد أراد الابن من أبيه أن يسارع إلى الخير، فما دامت هبة الخير قد هبَّت عليه فعلى الإنسان أن يأخذ بها؛ لأن الإنسأن لا يدري أغيار الأحداث في نفسه، لذلك فعليه أن يسارع إلى اقتناص هبة الخير، وها هو ذا ابن عمر بن عبد العزيز يعين والده على الخير، لكننا في زمننا قد نجد من الأبناء من يطلب الحَجْر على أبيه إن فكر الأب في فعل الخير، متناسين قول الحق: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَائِكَ مِنَ الصَّالِحِين}.وهنا يبرز سؤال هو: لأي عمل هم صالحون؟والإجابة تقتضي قليلا من التأمل، إننا نقول في حياتنا: إن فلانا رجل صالح ومقابله رجل طالح. والإنسان صالح للخلافة، فقد جعل الله آدم وذريته خلفاء في الأرض، والرجل الصالح يرى الشيء الصالح في ذاته فيترك هذا الشيء على ما هو عليه أو يزيده صلاحا. أما الرجل الطالح أو المفسد فهو يأتي إلى الشيء الصالح فيفسده، ولا يفعل صلاحا.إن الرجل- على سبيل المثال- قد يجد بئرا يأخذ منه الناس الماء، فإن لم يكن من أهل العزم فإنه يتركه على حاله. وإن كان طالحا فقد يردم البئر بالتراب. أما إن كان الرجل من أهل الصلاح والعزم فهو يحاول أن يبدع في خدمة الناس التي تستقي من البئر، فيفكر ليبني خزانا عاليا ويسحب الماء من البئر بآلة رافعة، ويخرج من الخزان أنابيب ويمدها إلى البيوت، فيأخذ الناس المياه وهم في المنازل، إن هذا الرجل قد استخدم فكره في زيادة صلاح البئر.إذن فكلمة رجل صالح تعني أنه صالح لأن يكون خليفة في الأرض وصالح لاستعمار الأرض أي أن يجعلها عامرة، فيترك الصالح في ذاته، أو يزيده صالحا، ويحاول أن يصلح أي أمر غير صالح. الرجل الصالح عندما يعمل فهو يحاول أن يجعل عمله عن عمق علم، فلا يقدم على العمل الذي يعطي سطحية نفع ثم يسبب الضرر من بعد ذلك.ومثال ذلك حين اخترعوا المبيدات الحشرية ظنوا أنهم تغلبوا على الآفات في الزراعة، لكنهم لم يعرفوا أنهم قد أضروا بالزراعة وبالبيئة أكثر مما أفادوا، لذلك عادوا يقولون: لا تستعملوا هذه المبيدات؛ لأنها ذات أضرار جمة، ولهذا لابد أن يكون كل عمل قائما على قواعد علمية سليمة، ولنقرأ قوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] وقوله سبحانه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103- 104].إذن فقد كرم الله من آمن من أهل الكتاب فوصفهم الوصف الحقيقي، فهم يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، ويؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون في الخيرات، ثم يحكم الحق عليهم حكما عاما بأنهم من الصالحين لعمارة الكون والخلافة في الأرض.ومن بعد ذلك يضيف الحق: {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَالله عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}.إنه سبحانه يعطيهم الجزاء العادل، وإن شيئا لا يضيع عنده وهو الحق؛ فالخير الذي يفعلونه لن يُجحد لهم أو يستر عن الناس؛ لأنه سبحانه عليم بالمتقين، فمن الجائز أن يصنع إنسان الأعمال ولا يراها أحد، أما الحق فهو يرى كل عمل، وهو الذي يملك حسن الجزاء. وبعد ذلك يعود الحق لتبيان حال الذين كفروا فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ الله شَيْئًا}. اهـ.
.سؤالان وجوابان: السؤال الأول: فإن قيل: لم قال: {فَلَنْ تكفروه} فعداه إلى مفعولين مع أن شكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحد يقال شكر النعمة وكفرها؟قلنا: لأنا بينا أن معنى الكفر هاهنا هو المنع والحرمان، فكان كأنه قال: فلن تحرموه، ولن تمنعوا جزاءه. اهـ.السؤال الثاني: فإن قيل: شكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحد، يقال: شكر النعمة، وكفرها- فكيف تعدّى- هنا- لاثنين أولهما قام مقام الفاعل، والثاني: الهاء في {يكفروه}؟فقيل: أنه ضُمِّن معنى فعل يتعدى لاثنين- كحرم ومنع، فكأنه قيل: فلن يُحْرَموه، ولن يُمْنَعُوا جزاءه. اهـ..تفسير الآية رقم (116): قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ الله شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)}.مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: ولما رغبهم في الإنفاق بما يشمل كل خير وأخبرهم بأنه عالم بدقة وجله، وأخبر أن ذلك كان دأب إسرائيل عليه الصلاة والسلام على وجه أنتج أن بنيه كاذبون في ادعائهم أنهم على ملة جده إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم حذر منهم وختم ما ختمه بالمتقين بالترغيب في الخير بما اندرج فيه الإنفاق الذي قدم أول السورة أنه من صفة المتقين المستغفرين بالأسحار التي هي أشرف آناء الليل وكان مما يمنع منه خوفُ الفقر والنزول عن حال الموسرين من الكفار المفاخرين بالإكثار المعيرين بالإقلال من المال والولد وقوفًا مع الحال الدنيوي، وكان قد أخبر أنه لا يقبل من أحد منهم في الآخرة ملء الأرض ذهبًا، أعقب هذا بمثل ذلك على وجه أعم فقال- واصفًا أضداد من تقدم، نافيًا ما يعتقدون من أن أعمالهم الصورية تنفعهم-: {إن الذين كفروا} أي بالله بالميل عن المنهج القويم وإن ادعوا الإيمان به نفاقًا أو غيره {لن تغني عنهم أموالهم} أي وإن كثرت {ولا أولادهم} وإن عظمت {من الله} أي الملك الذي لا كفوء له {شيئًا} أي من الإغناء تأكيدًا لما قرر من عدم نصرة أهل الكتاب الذين حملهم على إيثار الكفر على الإيمان استجلاب الأموال والرئاسة على الأتباع على وجه يعم جميع الكفار- كما قال في أول السورة- سواءً.ولما كان التقدير: فأولئك هم الخاسرون، عطف عليه قوله: {وأولئك أصحاب النار} أي هم مختصون بها، ثم استأنف ما يفيد ملازمتها فقال: {هم فيها خالدون}. اهـ..قال الفخر: اعلم أنه تعالى ذكر في هذه الآيات مرة أحوال الكافرين في كيفية العقاب، وأخرى أحوال المؤمنين في الثواب جامعًا بين الزجر والترغيب والوعد والوعيد، فلما وصف من آمن من الكفار بما تقدم من الصفات الحسنة أتبعه تعالى بوعيد الكفار، فقال: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم}. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: في قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} قولان:الأول: المراد منه بعض الكفار ثم القائلون بهذا القول ذكروا وجوهًا:أحدها: قال ابن عباس: يريد قريظة والنضير، وذلك لأن مقصود رؤساء اليهود في معاندة الرسول ما كان إلا المال والدليل عليه قوله تعالى في سورة البقرة {وَلاَ تَشْتَرُواْ بآياتي ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 41].وثانيها: أنها نزلت في مشركي قريش، فإن أبا جهل كان كثير الافتخار بماله ولهذا السبب نزل فيه قوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا ورئيًا} [مريم: 74] وقوله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزبانية} [العلق: 17، 18].وثالثها: أنها نزلت في أبي سفيان، فإنه أنفق مالًا كثيرًا على المشركين يوم بدر وأحد في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم.والقول الثاني: أن الآية عامة في حق جميع الكفار، وذلك لأنهم كلهم كانوا يتعززون بكثرة الأموال، وكانوا يعيرون الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه بالفقر، وكان من جملة شبههم أن قالوا: لو كان محمد على الحق لما تركه ربه في هذا الفقر والشدة ولأن اللفظ عام، ولا دليل يوجب التخصيص فوجب إجراؤه على عمومه، وللأولين أن يقولوا: أنه تعالى قال بعد هذه الآية: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ} [آل عمران: 177] فالضمير في قوله: {يُنفِقُونَ} عائد إلى هذا الموضع، وهو قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} ثم إن قوله: {يُنفِقُونَ} مخصوص ببعض الكفار، فوجب أن يكون هذا أيضا مخصوصًا. اهـ.فصل:قال الفخر:إنما خص تعالى الأموال والأولاد بالذكر لأن أنفع الجمادات هو الأموال وأنفع الحيوانات هو الولد، ثم بيّن تعالى أن الكافر لا ينتفع بهما ألبتة في الآخرة، وذلك يدل على عدم انتفاعه بسائر الأشياء بطريق الأولى، ونظيره قوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] وقوله: {واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] الآية وقوله: {فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مّلْء الأرض ذَهَبًا وَلَوِ افتدى بِهِ} [آل عمران: 91] وقوله: {وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم بالتى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} [سبأ: 37] ولما بيّن تعالى أنه لا انتفاع لهم بأموالهم ولا بأولادهم، قال: {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون}. اهـ..قال ابن عطية: وخص الله تعالى الأموال والأولاد بالذكر لوجوه:منها أنها زينة الحياة الدنيا، وعظم ما تجري إليه الآمال، ومنها أنها ألصق النصرة بالإنسان وأيسرها، ومنها أن الكفار يفخرون بالآخرة لا همة لهم إلا فيها هي عندهم غاية المرء وبها كانوا يفخرون على المؤمنين، فذكر الله أن هذين اللذين هما بهذه الأوصاف لا غناء فيهما من عقاب الله في الآخرة، فإذا لم تغن هذه فغيرها من الأمور البعيدة أحرى أن لا يغني. اهـ..قال البغوي: {وَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وإنما جعلهم من أصحابها لأنهم أهلها لا يخرجون منها ولا يفارقونها، كصاحب الرجل لا يفارقه. اهـ..قال الفخر: واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن فساق أهل الصلاة لا يبقون في النار أبدًا فقالوا قوله: {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار} كلمة تفيد الحصر فإنه يقال: أولئك أصحاب زيد لا غيرهم وهم المنتفعون به لا غيرهم ولما أفادت هذه الكلمة معنى الحصر ثبت أن الخلود في النار ليس إلا للكافر. اهـ.
|