الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
. انتهى.وجواب الشرط في الآية محذوف للعلم به، والتقدير كما قيل: وإن استطعت أن تبتغى كذا وكذا فافعل.والمراد بالآية في قوله تعالى: {فتأتيهم بآية} الآية التي تضطرهم إلى الإيمان فإن الخطاب أعنى قوله: {وإن كان كبر عليك إعراضهم} الخ، إنما ألقى إلى النبي صلى الله عليه وآله من طريق القرآن الذي هو أفضل آية إلهية تدل على حقية دعوته، ويقرب إعجازه من فهمهم وهم بلغاء عقلاء فالمراد أنه لا ينبغى أن يكبر ويشق عليك إعراضهم فإن الدار دار الاختيار، والدعوة إلى الحق وقبولها جاريان على مجرى الاختيار، وإنك لا تقدر على الحصول على آية توجب عليهم الإيمان وتلزمهم على ذلك فإن الله سبحانه لم يرد منهم الإيمان إلا على اختيار منهم فلم يخلق آية تجبر الناس على الإيمان والطاعة، ولو شاء الله لامن الناس جميعا فالتحق هؤلاء الكافرون بالمؤمنين بك فلا تبتئس ولا تجزع بإعراضهم فتكون من الجاهلين بالمعارف إلالهية.وأما ما احتمله بعضهم: أن المراد فتأتيهم بآية هي أفضل من الآية التي أرسلناك بها أي القرآن فلا تلائمه سياق الآية وخاصة قوله: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} فإنه ظاهر في الاضطرار.ومن هنا يظهر أن المراد بالمشية أن يشاء الله منهم الاهتداء إلى الإيمان فيضطروا إلى القبول فيبطل بذلك اختيارهم هذا ما يقتضيه ظاهر السياق من الآية الشريفة.لكنه سبحانه فيما يشابه الآية من كلامه لم يبن عدم مشيئته ذلك على لزوم الاضطرار كقوله تعالى: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملان جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13] يشير تعالى بذلك إلى نحو قوله: {قال فالحق والحق أقول لأملان جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [ص: 85] فبين تعالى أن عدم تحقق مشيته لهداهم جميعا إنما هو لقضائه ما قضى تجاه ما أقسم عليه إبليس أنه سيغويهم أجمعين إلا عباده منهم المخلصين.وقد أسند القضاء في موضع آخر إلى غوايتهم قال تعالى في قصة آدم وإبليس: {قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط على مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين} [الحجر: 43] وقد نسب ذلك إليهم إبليس أيضا فيما حكى الله سبحانه من كلامه لهم يوم القيامة: {وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} إلى أن قال: {إنى كفرت بما أشركتمون من قبل} [إبراهيم: 22].فالآيات تبين أن المعاصي ومنها الشرك تنتهى إلى غواية الإنسان والغواية تنتهى إلى نفس الإنسان، ولا ينافى ذلك ما يظهر من آيات أخر أن الإنسان ليس له أن يشاء إلا أن يشاء الله منه المشيئة كقوله تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله} [الإنسان: 30]، وقال تعالى: {إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 29].فمشية الإنسان في تحققها وإن توقفت على مشيئة الله سبحانه إلا أن الله سبحانه لا يشاء منه المشيئة إلا إذا استعد لذلك بحسن سريرته، وتعرض منه لرحمته، قال تعالى: {ويهدى إليه من أناب} [الرعد: 27] أي انعطف ورجع إليه، وأما الفاسق الزائغ قلبه المخلد إلى الأرض المائل إلى الغواية فإن الله لا يشاء هدايته ولا يغشاه برحمته كما قال: {يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين} [البقرة: 26] وقال: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5] وقال: {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} [الأعراف: 176].وبالجملة فالدعوة الدينية لا تسلك إلا سبيل الاختيار، والآيات الإلهية لا تنزل الا مع مراعاة الاختيار، ولا يهدى الله سبحانه إليه إلا من تعرض لرحمته واستعد لهدايته من طريق الاختيار.وبهذا تنحل شبهة أخرى لا تخلو عن إعضال، وهى أنا سلمنا أن إنزاله تعالى آية تجبرهم على الإيمان وتضطرهم إلى قبول الدعوة الدينيه ينافى أساس الاختيار الذي تبتنى عليه بنية الدعوة الدينية لكن لم لا يجوز أن يشاء الله إيمان الناس جميعا على حد مشيئته إيمان من آمن منهم بأن يشاء من الجميع أن يشاءوا كما شاء من المؤمنين خاصه أن يشاءوا ثم ينزل آية تسوقهم إلى الهدى، وتلبسهم الإيمان من غير أن يبطل بذلك اختيارهم وحريتهم في العمل.وذلك أنه وإن أمكن ذلك بالنظر إلى نفسه لكنه ينافى الناموس العام في عالم الأسباب، ونظام الاستعداد والإفاضة فالهدى إنما يفاض على من اتقى الله وزكى نفسه وقد أفلح من زكاها، ولا يصيب الضلال إلا من أعرض من ذكر ربه ودسى نفسه وقد خاب من دساها، وإصابة الضلال هو أن يمنع الإنسان الهدى قال تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا} [الاسراء: 20] أي ممنوعا فالله سبحانه يمد كل نفس من عطائه بما يستحقه فإن أراد الخير أوتيه وإن أراد الشر أوتيه أي منع من الخير، ولو شاء الله لكل نفس صالحة أو طالحة أن تشاء الخير وتنكب على الإيمان والتقوى من طريق الاختيار كان في ذلك إبطال النظام العام وإفساد أمر الأسباب.وتؤيد ما ذكر الآية التالية أعنى قوله تعالى: {إنما يستجيب الذين يسمعون}. اهـ.
9- {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} الاستفهام للتوبيخ.10- {كُذِّبَتْ رُسُلٌ} تنوين رسل للتفخيم والتكثير. اهـ.
والثاني: أن يكون اسمها ضمير الأمر والشأن، والجملة الفعلية مُفَسِّرٌ له في مَحَلِّ نصب على الخبر، فإعراضُهُمْ مرفوعٌ بـ {كَبُر}، وفي الوجه الأول بـ {كان}، ولا ضمير في {كَبُرَ} على الثاني، وفيه ضميرعلى الأول، ومثل ذلك في جواز هذين الوجهين قوله تعالى: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} [الأعراف: 137] {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} [الجن: 4]، ف {فرعون} يحتمل أن يكون اسْمًا، وأن يكون فاعلًا، وكذلك {سَفِيهُنَا}، ومثله أيضًا قولُ امرئ القيس: [الطويل] ف خليقة يحتمل الأمرين، وإظهار قد هنا يُرَجِّحُ قول من يشترطها، وهل يجوز في مثل هذا التركيب التَّنَازعُ، وذلك أن كُلًا من كان وما بعدهام من الأفعال المذكورة في هذه الأمثلة يطلب المَرْفُوعَ من جهة المعنى، وشروط الإعمال موجودة.قال شهاب الدين: وكنت قديمًا سألت الشيخ- يعني أبا حيَّان- عن ذلك، فأجاب بالمَنْعِ مُحْتَجًّا بأن شَرْطَ الإعمال ألاَّ يكون أحَدُ المُتنازِعَينِ مُفْتَقِرًا إلى الآخر، وألاَّ يكون من تمام معناه وكان مُفْتَقِرةٌ إلى خبرها، وهو من تمام معناها، وهذا الذي ذكره من المَنْعِ، وترجيحه ظَاهِرٌ، إلاَّ أن النحويين لم يذكروه في شروطِ الإعمال.وقوله: {وإن كان كَبُرَ} مُؤوَّلٌ بالاسْتِقْبَالِ، وهو التَّبَيُّنُ والظهور فهو كقوله: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} [يوسف: 26] أي: إن تَبَيَّنَ وَظَهَر، وإلاَّ فهذه الأفعالُ قَدْ وَقَعَتْ وانقضت فكيف تَقَعُ شرطًا؟وقد تقدَّم أنَّ المُبَرِّدَ يُبْقي {كان} خَاصَّةً على مُضِيِّهَا في المعنى مع أدوات الشِّرْطِ، وليس بشيء.وأمَّا: {فإن استطعت} فهو مستقبل معنى؛ لأنه لم يَقَعْ، بخلاف كونه {كَبُرَ عليه إعراضهم}، وقدِّ القَمِيص، و{أن تبتغي} مفعول الاسْتِطَاعَةِ.و{نفقًا} مفعول الابْتِغَاءِ.والنَّقَقُ: السَّرَبُ النَّافِدُ في الأرض، وأصله من جحرة اليَرْبُوع، ومنه: النَّافِقَاءُ، والقَاصِعَاءُ، وذلك أن اليربوع يَحْفُرُ في الأرض سَرَبًا ويجعل له بَابَيْنِ، وقيل: ثلاثة: النَّافِقَاءُ، والقَاصِعَاءُ والدَّبِقَاءُ، ثم يَرِقُّ بالحفر ما تقارب وجه الأرض، فإذا نَابَهُ أمْرٌ دفع تلك القِشْرَةٌ الرقيقة وخرج، وقد تقدَّم اسْتِيفَاءُ هذه المادَّةِ عند قوله: {يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]، و{المنافقين} [النساء: 61].وقوله: {في الأرض} ظاهرة أنه متعلقٌ بالفعل قَبْلَهُ، ويجوز أن يكون صِفَةً لـ {نَفَقًا} فيتعلق بمحذوفٍ وهُوَ صِفَةٌ لمجرَّد التوكيد، إذ النَّفَق لا يكون إلاَّ في الأرض.وجوَّز أبو البقاء مع هذين الوجهين أن يكون حالًا من فاعل {تبتغي}، أي: وأنت في الأرض.قال وكذلك في السماء.ويعني من جواز الأوجه الثلاثة، وهذا الوَجْهُ الثالث ينبغي ألاَّ يجوز لِخُلُوِّهِ عن الفائدة.والسُّلَّمُ: قيل المِصْعَدُ، وقيل: الدَّرَجُ، وقيل: السَّبَبُ تقول العرب: أتَّخِدْني سُلَّمًا لحاجتك، أي: سببًا.قال كعب بن زهير: [الطويل] وهو مُشْتَقٌ من السَّلامة، قالوا: لأنه يسلم به إلى المصعد والسُّلَّم مُذَكَّرٍ، وحكى الفرَّاء تأنيثه.قال بعضهم: ليس ذلك بالوَضْعِ، بل لأنه بمعنى المَرْقَاة، كما أنَّث بعضهم الصوت في قوله: [البسيط] لمَّا كان في معنى الصَّرْخة. اهـ. باختصار.
|