الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وجيهًا} ذا الجاه والشرف والقدر. وقيل: الكريم لأن أشرف أعضاء الإنسان هو الوجه {في الدنيا} بالنبوة والمعجزات الباهرة وبالبراءة عن العيوب {والآخرة} بشفاعة الأمة المحقين وعلو الدرجة في الجنة. ونصبه على الحال من النكرة الموصوفة وهي كلمة. وكذا انتصاب ما بعده كما مر في الوقوف أي يبشرك به موصوفًا بهذه الصفات. وكونه من المقربين هو رفعه إلى السماء وصحبته للملائكة. والمهد قيل: حجر أمه. وقيل: الآلة المعروفة لإضجاع الصبي. وكيف كان فالمراد أنه يكلم الناس في الحالة التي يحتاج الصبي فيها إلى المهد {وكهلًا} عطف على الظرف أي يكلم الناس في الصغر وفي الكهولة. والكهل في اللغة الذي اجتمع قوته وكمل شبابه من قولهم: اكتهل النبات أي قوي. روي أن عمره بلغ ثلاثًا وثلاثين ثم رفع إلى السماء. ولا ريب أن أكمل أحوال الإنسان ما بين الثلاثين والأربعين، فيكون عيسى قد بلغ سن الكهولة.وعن الحسين بن الفضل: المراد أن يكون كهلًا بعد نزوله من السماء وأنه حينئذٍ يكلم الناس ويقتل الدجال. فإن قيل: إن تكلمه في المهد من المعجزات، ولكن تكلمه في حالة الكهولة ليس من المعجزات، فما الفائدة في ذكره؟ فالجواب من وجوه. قال أبو مسلم: معناه أنه يتكلم حال كونه في المهد وحال كونه كهلًا على حد واحد وصفة واحدة، ولا شك أنه غاية في الإعجاز، وقيل: المراد الرد على نصارى نجران وبيان كونه متقلبًا في الأحوال من الصبا إلى الكهولة؛ فإن التغير على الإله محال. وقيل: المراد أنه يكلم الناس مرة واحدة في المهد لإظهار طهارة أمه، ثم عند الكهولة يتكلم بالوحي والنبوة. وقال الأصم: المراد أنه يبلغ حال الكهولة.ويخرج من قول الحسين بن الفضل جواب آخر. وهاهنا بحث للنصارى قالوا: إن كلامه في المهد من أعجب الأمور وأغربها ولا شك أن مثل هذه الواقعة يكون بمحضر جمع عظيم وتتوفر الدواعي على نقلها فيبلغ حد التواتر. فلو كانت هذه الواقعة موجودة لكان أولى الناس بمعرفتها النصارى لأنهم أفرطوا في محبته حتى ادّعوا إلهيته، لكنهم أطبقوا على إنكاره فعلمنا أنها لم توجد أصلًا. والجواب أن إطباق النصارى على إنكاره ممنوع. ولو سلم فإن كلام عيسى في المهد إنما كان للدلالة على براءة مريم مما نسب إليها من السوء وكان الحاضرون حينئذٍ جمعًا قليلًا ولا يبعد في مثلهم التواطؤ على الإخفاء. وبتقدير أن يذكروا ذلك فإن غيرهم كانوا يكذبونهم في ذلك وينسبونهم إلى البهت. فهم أيضا قد سكتوا لهذه العلة. فلهذه الأسباب بقي الأمر مكتومًا إلى أن نطق القرآن بذلك. ثم ختم أوصاف عيسى بقوله: {ومن الصالحين} كما ختم بذلك أوصاف يحيى. وفيه أن الدخول في زمرة الصالحين والانتظام في سلكهم هو المقصد الأسني والأمر الأقصى.{قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر} لم تقل ذلك استبعادًا وتشككًا وإنما أرادت تعيين الجهة كما مر في قصة زكريا فأجيبت بقوله: {كذلك الله يخلق ما يشاء} وقد سبق نظيره إلا أنه عبر عن الفعل هاهنا بالخلق لأن القدرة هاهنا أتم وهو تخليق المولود بغير أب ولهذا أكده بقوله: {إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} وقد تقدم تفسيره في السورة التي تذكر فيها البقرة {ويعلمه} بالياء عطف على {يبشرك} أو على {وجيهًا} أو على {يخلق} لأن قوله: {يخلق ما يشاء} وهو عام يتضمن قوله: {يخلق}، ويحتمل أن يكون كلامًا مبتدأ. وكذا من قرأ بالنون لأن المذكورات في قوة {إنا نبشرك} ونحن نخلقه. ثم الذي علمه أمور أربعة: أولها الكتاب وكان المراد به الخط. وثانيها الحكمة وهو أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به.وثالثها التوراة لأن البحث عن أسرار الكتب الإلهية لا يمكن إلا بعد الاطلاع على العلوم الخمسة. ورابعها الإنجيل وفيه العلوم التي خصه الله تعالى بها وشرفه بإنزالها عليه. وهذه هي الغاية القصوى والرتبة العليا في العلم والفهم والإحاطة بالحقائق والاطلاع على الدقائق. ثم قال: {ورسولًا} عطفًا على {وجيهًا} وما بعده.{إلى بني إسرائيل} أي إلى كلهم لأنه جمع مضاف. وفيه رد على اليهود القائلين بأنه مبعوث إلى قوم مخصوصين منهم {أني قد جئتكم} يتعلق بمحذوف يدل عليه لفظ الرسول أي ناطقًا بأني قد جئتكم. وإنما وجب هذا الإضمار للعدول عن الغيبة إلى التكلم. وأما قوله: {ومصدقًا لما بين يديّ} فمعطوف على قوله: {بآية} أي مع آية والتقدير: جئتكم مصاحبًا لآية من ربكم ومصدقًا لمن بين يديّ، وجئتكم {لأحل لكم} وفي الكشاف تقديره: ويعلمه الكتاب والحكمة ويقول أرسلت رسولًا بأني قد جئتكم ومصدقًا لما بين يدي.أو الرسول والمصدق فيهما معنى النطق فكأنه قيل: وناطقًا بأني قد جئتكم، وناطقًا بأني أصدق ما بين يديّ.وعن الزجاج: إن التقدير ويكلم الناس رسولًا بأني قد جئتكم بآية من ربكم. والمراد بالآية الجنس لا الفرد لأنه عدد أنواعًا من الآيات، ثم أبدل على الآية قوله: {أني أخلق} فيمن قرأ بفتح {أني} ويحتمل أن يكون أن مع ما بعده مرفوعًا أي هي أني أخلق. ومن قرأ {إني أخلق} فللاستئناف أو للبيان كقوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} [آل عمران: 59] ثم فسر المثل بقوله: {خلقه من تراب} [آل عمران: 59] وهذا أحسن ليوافق قراءة الفتح. والمعنى أقدّر لكم شيئًا مثل صورة الطير من هيئات الشيء أصلحته.{فأنفخ فيه} أي في ذلك الطير المصور أو الشيء المماثل لهيئة الطير {فيكون طيرًا} وهو اسم الجنس يقع على الواحد وعلى الجمع. يروى أنه خلق أنواعًا من الطير. وقيل: لم يخلق غير الخفاش وعليه قراءة من قرأ {طائرًا} وذلك أنه لما ادعى النبوة وأظهر المعجزات أخذوا يتفننون عليه وطالبوه بخلق خفاش، فأخذ طينًا وصوّره ثم نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض. قال وهب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن عيونهم سقط ميتًا بإذن الله. وبتكوينه وتخليقه قال بعض المتكلمين: دلت الآية على أن الروح جسم رقيق كالريح ولذلك وصفها بالنفخ. وهاهنا بحث وهو أنه هل يجوز أن يقال أنه تعالى أودع في نفس عيسى خاصية بحيث أنه متى نفخ في شيء كان نفخه موجبًا لصيرورة ذلك الشيء حيًا، وذلك أنه تولد من نفخ جبريل في مريم روح محض، فكانت نفخة عيسى سببًا لحصول الأرواح في الأجساد؟ أو يقال: ليس الأمر كذلك بل الله تعالى كان يخلق الحياة في ذلك الجسم بقدرته عند نفخ عيسى عليه السلام فيه على سبيل إظهار المعجزات؟ وهذا هو الحق لقوله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة} [الملك: 2] ولقوله حكاية عن إبراهيم في المناظرة {ربي الذي يحيي ويميت} [البقرة: 258] فلو حصل لغيره هذه الصفة بطل ذلك الاستدلال {وأبرئ الأكمه والأبرص} ذهب أكثر أهل اللغة إلى أن الأكمه هو الذي يولد أعمى. وقيل: هو الممسوح العين. ويقال: لم يكن في هذه الأمة أكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير. وقيل: الأكمه من عمي بعد أن كان بصيرًا، رواه الخليل.وعن مجاهد أنه الذي لا يبصر بالليل. وأما البرص فإنه بياض يظهر في ظاهر البدن، وقد لا يعم البدن. وسببه سوء مزاج العضو إلى البرودة وغلبة البلغم على الدم الذي يغذوه، فتضعف القوة المغيرة عن تمام التشبيه.وقد يغلب البرد والرطوبة حتى يصير لحمه كلحم الأصداف فيحيل الدم الصائر إليه إلى مزاجه ولونه. وإن كان ذلك الدم جيدًا في جوهره نقيًا من البلغم حارًا هو داء عياء عسر البرء لا يكاد يبرأ- وخاصة المزمن- منه. والآخذ في الازدياد والذي يرجى برؤه من البرص ما إذا دلك احمرّ بالدلك ويكون معه خشونة ما. والشعر الذي ينبت عليه لا يكون شديد البياض، وإذا أخذ جلدة بالإبهام والسبابة وأشيل عن اللحم وغرزت فيه الإبرة خرج منه دم أو رطوبة مورّدة، ولا شك إن إبراءه مثل هذه المرض من قبيل الإعجاز. يروى: ربما اجتمع عليه خمسون ألفًا من المرضى من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتا عيسى وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده {وأحيي الموتى} أحيا عاذرًا وكان صديقًا له، ودعا سام بن نوح من قبره وهم ينظرون فخرج حيًا، ومر على ابن ميت لعجوز فدعا الله عيسى فنزل عن سريره حيًا ورجع إلى أهله وبقي وولد له. قال الكلبي: كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى بيا حي يا قيوم وكرر قوله: {بإذن الله} رفعًا لوهم من توهم فيه الألوهية {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} قيل: أنه كان من أول أمره يخبر بالغيوب.روى السدي أنه كان يلعب مع الصبيان ثم كان عليه السلام يخبرهم بأفعال آبائهم وأمهاتهم. كان عليه السلام يخبرهم بأن أمك خبأت لك كذا فيرجع الصبي إلى أهله ويبكي إلى أن يأخذ ذلك الشيء. فقالوا لصبيانهم: لا تلعبوا مع الساحر وجمعوهم في بيت. فجاء عيسى عليه السلام يطلبهم فقالوا: ليسوا في البيت. فقال عليه السلام: فمن في هذا البيت؟ فقالوا: خنازير. فقال عيسى عليه السلام: كذلك يكونون فإذا هم خنازير. وقيل: إن الأخبار عن الغيوب إنما ظهر من وقت نزول المائدة. وذلك أن القوم نهوا عن الادّخار فكانوا يخونون ويدخرون وكان عيسى يخبرهم بذلك. والادخار افتعال من اذتخر قلبت كل من التاء والذال دالًا ثم أدغم. واعلم أن الأخبار عما غاب معجز دال على أن ذلك الخبر صار معلومًا بالوحي ما لم يستعن فيه بآلة ولا تقديم مسألة بخلاف ما يقوله المنجمون والكهان فإن ذلك استعانة من أحوال الكواكب أو الجن، ولهذا يتفق لهم الغلط كثيرًا. ثم أنه لما قرر المعجزات الباهرة وبين بها كونه رسولًا من عند الله ذكر أنه لماذا أرسل فقال: {ومصدقًا لما بين يدي من التوراة} وذلك أنه يجب على كل نبي أن يكون مصدقًا لمن تقدمه من الأنيباء لأن الطريق إلى ثبوت نبوتهم هو المعجز، فكل من حصل على يده المعجز وجب الاعتراف بنبوته.ولعل من جملة الأغراض في بعثة عيسى عليه السلام تقرير أحكام التوراة وإزالة شبهات المنكرين وتحريفات المعاندين الجاهلين. ثم ذكر غرضًا آخر في بعثته فقال: {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} وهذا لا يناقض تصديقه لما في التوراة إذ المعنى بالتصديق هو اعتقاد أن كل ما فيه حكمة وصواب، وإذا لم يكن التأبيد مذكورًا فالناسخ والمنسوخ كلاهما حق في وقته، وإذا كانت البشارة بعيسى موجودة في التوراة فمجيء عيسى يكون تصديقًا لما في التوراة.وعن وهب بن منبه أن عيسى ما غير شيئًا من أحكام التوراة وأنه ما وضع الأحد بل كان يقرر السبت ويستقبل بيت المقدس. ثم فسر الإحلال بأمرين: أحدهما أن الأحبار كانوا قد وضعوا من عند أنفسهم شرائع باطلة ونسبوها إلى موسى فجاء عيسى ورفعها وأعاد الأمر إلى ما كان. والثاني أن الله تعالى كان قد حرم بعض الأشياء على اليهود عقوبة لهم كما قال: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} [النساء: 160] واستمر ذلك التحريم فجاء عيسى ورفع تلك التشديدات عنهم. كانوا قد حرم عليهم الشحوم والثروب ولحوم الإبل والسمك وكل ذي ظفر، فأحل لهم عيسى من السمك والطير ما لا صيصية له.{وجئتكم بآية من ربكم} شاهدة على صحة رسالتي وهي قوله: {إن الله ربي وربكم} لأن جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه. وقوله: {فاتقوا الله وأطيعون} اعتراض وإنما جعل القول آية من ربه لأن الله تعالى جعله له علامة يعرف بها أنه رسول كسائر الرسل. ويجوز أن يكون تكريرًا لقوله: {إني قد جئتكم بآية من ربكم} أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من المعجزات ومن ولادتي بغير أب.{فاتقوا الله} لما جئتكم به من الآيات {وأطيعون} فإن طاعة الرسول من لوازم تقوى الله. ثم ختم كلامه بقوله: {إن الله ربي وربكم} إظهارًا للخضوع واعترافًا بالعبودية وردًا لما يدعيه عليه الجهلة من النصارى الضالين المنحرفين عن الصراط المستقيم. اهـ.
.من لطائف وفوائد المفسرين: .قال في ملاك التأويل: قوله تعالى مخبرا عن قول عيسى عليه السلام: {إن الله ربى وربكم فاعبدوه}، وفي سورة مريم: {وإن الله ربى وربكم فاعبدوه}، فعطف الآية على ما قبلها بواو النسق وفي سورة الزخرف: {إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه} بغير حرف النسق مع زيادة الفصل بالضمير من قوله: {هو} ولم يقع ذلك في الآيتين قبل كما لم يقع العطف في الأولى والثالثة فانفردت كل آية من الثلاث بما وردت عليه مع اتحاد المقصد فيما أعطته كل واحدة منها فللسائل أن يسأل عن ذلك؟والجواب والله أعلم: أن آية مريم لما تضمنت مقالة عيسى عليه السلام وآية كلامه في المهد مخبرا عن حاله النبوية وما منحه الله من الخصائص الاصطفائية فقال: {إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا} إلى ما أعقب به هذا من الخصائص الجليلة منسوقا بعضها على بعض ليبين تعداد تلك النعم إلى قوله: {والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}، فذكر ما حفظ الله عليه من كرامته في هذه الأحوال الثلاثة البشرية وهى: حال الولادة وحال الموت وحال البعث بعده وهذه أحوال تتنزه الربوبية عنها وتتعالى عن تجويزها عليه سبحانه وإذا صحبتها العادة لم تكن نقصا في البشرية إذ بها امتيازها وهى من حيث الحيوانية الحادثة فصلها. ثم لما كان من تمام إخبار عيسى عليه السلام وتعريفه بما عرف به وتكميل ما قصد به إقراره لله سبحانه بالربوبية للكل في قوله: {وإن الله ربى وربكم فاعبدوه} وكان متصلا بما تقدم وكأن قد قال: إني عبد الله ومخصوص منه بكذا وكذا ومعترف بانفراد خالقى بملك الكل وقهرهم وخلقهم فهو ربهم ومالكهم والمعبود الحق فلما كان الكلام من حيث معناه متصلا وقد ورد أثناءه ما يعطى بظاهره حين أخبر تعالى عنه بقوله عليه السلام: {والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}.إن كلام عيسى عليه السلام قد تم وانقضى وشرع في قضية أخرى من التعريف بحقيقة أمر عيسى عليه السلام فقال تعالى: {ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} فورد هنا مورد الجمل التي كأنها مفصولة مما قبلها مع الحاجة إليها واتصال ما بعدها بما قبلها لك يكن بد من حرف النسق ليحصل منه أنه كلام غير منقطع بعضه من بعض ولا مستأنف بل هو معطوف على ما تقدمه من كلام عيسى عليه السلام فلم يكن بد من حرف النسق لإحراز هذا الالتحام إذ لم يكن ليحصل دون حرف النسق حصوله معه فقيل: {وإن الله ربى وربكم} وهو حكاية قول عيسى متصلا من حيث معناه بقوله: {والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} فالوجه عطفه عليه مع الحاجة إلى ما توسط الكلامين فهذا وجه ورود الواو هنا ولم يعرض في آية آل عمران فصل بين الآية وما قبلها يوهم انقطاعا فيحتاج إلى الواو فهذا وجه دخولها في هذه الآية والله أعلم.وأما زيادة الضمير الفصلى في سورة الزخرف فيحرز بمفهومه معنى ضروريا دعا إليه ما تقدم في الآية قبله وذلك ما أشار اليه قوله سبحانه وتعالى: {ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون} إلى ما يتلو هذه ففى التفسير أنه لما نزل قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} الآية تعلق بها الكفار وقالوا قد عبدت الملائكة وعبد المسيح وأنت يا محمد تزعم أن عيسى نبى مقرب وأن الملائكة عباد مقربون فإذا كان هؤلاء مع آلهتنا في النار فقد رضينا وجادلوا بهذا فأنزل الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} وهذا مبسوط في كتب التفسير فلما كان قد تقدم في سورة الزخرف ذكر آلهتهم وقولهم: {ءآلهتنا خير أم هو} يعنون المسيح ناسبه ما أعقبه به من قوله تعالى حاكيا عن المسيح عليه السلام: {إن الله ربى وربكم} فكأن قد قيل: هؤلاء غيره فأحرز {هو} هذا المعنى ولم يرد في آية آل عمران وآية مريم من ذكر آلهتهم ما ورد هنا فلم يحتج إلى الضمير المحرز لما ذكرناه وسنورد إن شاء الله في قوله تعالى في سورة النجم: {وأنه أضحك وأبكى وأنه أمات وأحيا} قوله بعد: {وأنه هو أغنى وأقنى وأنه هو رب الشعرى} بإثبات هذا الضمير في أربعة مواضع وكونه لم يثبت في قوله: {وأنه خلق الزوجين} ولا في قوله: {وأن عليه النشأة الأخرى} ولا في قوله: {وأنه أهلك عادا الأولى} وتوجيه ذلك والفرق بين ما ورد فيه منها الضمير وما لم يرد فيه ما يوضح وجه وروده في آية الزخرف وسقوطه في الآيتين قبلها أتم أيضاح وأشفاه، ومن هذا قوله تعالى: {فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم} فـ {أنت} هنا كهو فيما ذكر ومحرزة ذلك المعنى من إفراد المشار اليه بالضمير بما حصله الخبر فتأمله فإنه بين فيما ذكرناه والله أعلم. اهـ.
|