الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ولما أخبر سبحانه وتعالى عنهم بما أخفوه جهلًا منهم ظنًا أن الحذر يغني من القدر أمره سبحانه وتعالى بالرد عليهم بقوله: {قل لو كنتم في بيوتكم} أي بعد أن أجمع رأيكم على أن لا يخرج منكم أحد {لبرز الذين كتب عليهم القتل} أي في هذه الغزوة {إلى مضاجعهم} أي التي هي مضاجعهم بالحقيقة وهي التي قتلوا بها، لأن ما قدرناه لا يمكن أحدًا دفعه بوجه من الوجوه، ثم عطف على ما علم تقديره ودل عليه السياق قوله: {ليبتلي} أي لبرز المذكورون لينفذ قضاؤه ويصدق قوله لكم في غزوة بدر: إن فاديتم الأسارة ولم تقتلوهم قتل منكم في العام المقبل مثلهم {وليبتلي الله} أي المحيط بصفات الكمال بهذا الأمر التقديري {ما في صدوركم} أي من الإيمان والنفاق بأن يفعل في إظهاره من عالم الغيب إلى عالم الشهادة فعل المختبر كما فعل بما وجد في هذه الغزوة من الأمور التحقيقية {وليمحص ما في قلوبكم} اي يطهره ويصفيه من جميع الوساوس الصارفة عن المراقبة من محبة الدنيا من الغنائم التي كانت سبب الهزيمة وغيرها.وختم بقوله: {والله} أي الذي له الإحاطة بكل شيء {عليم بذات الصدور} مرغبًا ومرهبًا ودافعًا لما قد يتوهم من ذكر الابتلاء من عدم العلم بالخفايا.ولما كانوا في هذه الغزوة قد حصل لهم ضرر عظيم، لكنه كان بما وقع من بعضهم من الخلل الظاهر فأدبهم بذلك، عفا عنهم سبحانه وتعالى بعد ذلك التأديب ورحمهم وطيب قلوبهم بهذه الآية بما فيها من التأمين صريحًا، وبما فيها من الإشارة بجمع جميع حروف المعجم فيها تلويحًا إلى أن أمرهم لابد أن يتم كما تمت الحروف في هذه الآية.لكنه افتتحها بأداة التراخي إشارة إلى أنه لا يكون إلا بعد مدة مديدة حتى تصقل مرائي الصدور التي ختمها بها بخلاف ما في الآية الأخرى الجامعة للحروف في آخر سورة الفتح التي نزلت في الحديبية التي ساءهم رجوعهم منها دون وصولهم إلى قصدهم- كما يأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى. اهـ.
.من أقوال المفسرين: .قال الفخر: في كيفية النظم وجهان:الأول: أنه تعالى لما وعد نصر المؤمنين على الكافرين، وهذا النصر لابد وأن يكون مسبوقا بازالة الخوف عن المؤمنين، بين في هذه الآية أنه تعالى أزال الخوف عنهم ليصير ذلك كالدلالة على أنه تعالى ينجز وعده في نصر المؤمنين.الثاني: أنه تعالى بين أنه نصر المؤمنين أولا، فلما عصى بعضهم سلط الخوف عليهم، ثم ذكر أنه أزال ذلك الخوف عن قلب من كان صادقا في إيمانه مستقرا على دينه بحيث غلب النعاس عليه.واعلم أن الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد فريقان: أحدهما: الذين كانوا جازمين بأن محمدًا عليه الصلاة والسلام نبي حق من عند الله وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وكانوا قد سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينصر هذا الدين ويظهره على سائر الأديان، فكانوا قاطعين بأن هذه الواقعة لا تؤدي إلى الاستئصال، فلا جرم كانوا آمنين، وبلغ ذلك الأمن إلى حيث غشيهم النعاس، فإن النوم لا يجيء مع الخوف، فمجيء النوم يدل على زوال الخوف بالكلية، فقال هاهنا في قصة أحد في هؤلاء {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاسًا} وقال في قصة بدر {إِذْ يُغَشّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مّنْهُ} [الأنفال: 11] ففي قصة أحد قدم الأمنة على النعاس، وفي قصة بدر قدم النعاس على الأمنة، وأما الطائفة الثانية وهم المنافقون الذين كانوا شاكين في نبوته عليه الصلاة والسلام، وما حضروا إلا لطلب الغنيمة، فهؤلاء اشتد جزعهم وعظم خوفهم، ثم أنه تعالى وصف حال كل واحدة من هاتين الطائفتين، فقال في صفة المؤمنين: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاسًا}. اهـ..قال الألوسي: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ} عطف على {فأثابكم} [آل عمران: 153] والخطاب للمؤمنين حقًا، والمعنى ثم وهب لكم أيها المؤمنون {مّن بَعْدِ الغم} الذي اعتراكم والتصريح بتأخر الإنزال عنه مع دلالة ثم عليه وعلى تراخيه عنه لزيادة البيان، وتذكير عظم المنة. اهـ..قال أبو حيان: واختلفوا في الوقت الذي غشيهم فيه النعاس.فقال الجمهور: حين ارتحل أبو سفيان من موضع الحرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي وكان من المتحيزين إليه: «اذهب فانظر إلى القوم فإنْ كانوا جنبوا الخيل فهم ناهضون إلى مكة، وإن كانوا على خيلهم فهم عائدون إلى المدينة فاتقوا الله واصبروا» ووطنهم على القتال، فمضى علي ثم رجع فأخبر: أنهم جنبوا الخيل، وقعدوا على أثقالهم عجالًا، فأمن المؤمنون المصدقون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألقى الله تعالى عليهم النعاس.وبقي المنافقون الذين في قلوبهم مرض لا يصدقون، بل كان ظنهم أنّ أبا سفيان يؤم المدينة، فلم يقع على أحد منهم نوم، وإنما كان همهم في أحوالهم الدنيوية.وثبت في البخاري من حديث أبي طلحة قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه، وفي طريق رفعت رأسي فجعلت ما أرى أحدًا من القوم إلا وهو يميل تحت جحفته.وهذا يدل على أنهم غشيهم النعاس وهم في المصاف وسياق الآية والحديث الأول يدلان على خلاف ذلك.قال تعالى: {فأثابكم غمًا بغم}.والغم كان بعد أن كسروا وتفرقوا عن مصافهم ورحل المشركون عنهم.والجمع بين هذين القولين: أن المصاف الذي أخبر عنه أبو طلحة كان في الجبل بعد الكسرة، أشرف عليهم أبو سفيان من علو في الخيل الكثيرة، فرماهم من كان انحاز إلى الجبل من الصحابة بالحجارة، وأغنى هناك عمر حتى أنزلوهم، وما زالوا صافين حتى جاءهم خبر قريش أنهم عزموا على الرّحيل إلى مكة، فأنزل الله عليهم النعاس في ذلك الموطن، فأمنوا ولم يأمن المنافقون.والفاعل بأنزل ضمير يعود على الله تعالى، وهو معطوف على فأثابكم.وعليكم يدل على تجلل النعاس واستعلائه وغلبته، ونسبة الإنزال مجاز لأن حقيقته في الأجرام. اهـ..من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يغشى طَائِفَةً مّنْكُمْ}: .قال الألوسي: {يغشى طَائِفَةً مّنْكُمْ} قال ابن عباس: هم المهاجرون وعامة الأنصار، وفيه إشعار بأنه لم يغش الكل ولا يقدح ذلك في عموم الإنزال للكل. اهـ..قال الفخر: قد ذكرنا أن هذه الطائفة هم المؤمنون الذين كانوا على البصيرة في إيمانهم قال أبو طلحة، غشينا النعاس ونحن في مصافنا، فكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه.ثم يسقط فيأخذه، وعن الزبير قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف، فأرسل الله علينا النوم، وإني لأسمع قول معتب بن قشير: والنعاس يغشاني يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا.وقال عبد الرحمن بن عوف: ألقى النوم علينا يوم أحد، وعن ابن مسعود: النعاس في القتال أمنة، والنعاس في الصلاة من الشيطان، وذلك لأنه في القتال لا يكون إلا من غاية الوثوق بالله والفراغ عن الدنيا، ولا يكون في الصلاة إلا من غاية البعد عن الله.واعلم أن ذلك النعاس فيه فوائد:أحدها: أنه وقع على كافة المؤمنين لا على الحد المعتاد، فكان ذلك معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن المؤمنين متى شاهدوا تلك المعجزة الجديدة ازدادوا إيمانًا مع إيمانهم، ومتى صاروا كذلك ازداد جدهم في محاربة العدو ووثوقهم بأن الله منجز وعده، وثانيها: أن الأرق والسهر يوجبان الضعف والكلال، والنوم يفيد عود القوة والنشاط واشتداد القوة والقدرة، وثالثها: أن الكفار لما اشتغلوا بقتل المسلمين ألقى الله النوم على عين من بقي منهم لئلا يشاهدوا قتل أعزتهم، فيشتد الخوف والجبن في قلوبهم، ورابعها: أن الأعداء كانوا في غاية الحرص على قتلهم، فبقاؤهم في النوم مع السلامة في مثل تلك المعركة من أدل الدلائل على أن حفظ الله وعصمته معهم، وذلك مما يزيل الخوف عن قلوبهم ويورثهم مزيد الوثوق بوعد الله تعالى، ومن الناس من قال: ذكر النعاس في هذا الموضع كناية عن غاية الامن، وهذا ضعيف لأن صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز لا يجوز إلا عند قيام الدليل المعارض، فكيف يجوز ترك حقيقة اللفظ مع اشتمالها على هذه الفوائد والحكم. اهـ..قال ابن عاشور: وسمّي الإغشاء إنزالًا لأنّه لمّا كان نعاسًا مقدّرًا من الله لحكمة خاصّة، كان كالنازل من العوالم المشرّفة كما يقال: نزلت السكينة. اهـ..قال الفخر: قرأ حمزة والكسائي {تغشى} بالتاء ردًا إلى الأمنة، والباقون بالياء ردًا، إلى النعاس، وهو اختيار أبي حاتم وخلف وأبي عبيد.واعلم أن الأمنة والنعاس كل واحد منهما يدل على الآخر، فلا جرم يحسن رد الكناية إلى أيهما شئت، كقوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم كالمهل يَغْلِى في البطون} [الدخان: 43 45] وتغلي، إذا عرفت جوازهما فنقول: مما يقوي القراءة بالتاء أن الأصل الأمنة، والنعاس بدل، ورد الكناية إلى الأصل أحسن، وأيضا الأمنة هي المقصود، وإذا حصلت الأمنة حصل النعاس لأنها سببه، فإن الخائف لا يكاد ينعس، وأما من قرأ بالياء فحجته أن النعاس هو الغاشي، فإن العرب يقولون غشينا النعاس، وقلما يقولون غشيني من النعاس أمنة، وأيضا فإن النعاس مذكور بالغشيان في قوله: {إِذْ يُغَشّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مّنْهُ} [الأنفال: 11] وأيضا: النعاس يلي الفعل، وهو أقرب في اللفظ إلى ذكر الغشيان من الأمنة فالتذكير أولى. اهـ..قال الطبري: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، غير مختلفتين في معنى ولا غيره. لأن الأمنة في هذا الموضع هي النعاس، والنعاس هو الأمنة. فسواء ذلك، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ الحقَّ في قراءته.وكذلك جميع ما في القرآن من نظائره من نحو قوله: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ كَالْمُهْلِ تَغْلِي فِي الْبُطُونِ} [سورة الدخان: 43- 45] و{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى} [سورة القيامة: 37]، {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ} [سورة مريم: 25]. اهـ.قوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ}.هؤلاء هم المنافقون عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير وأصحابهما، كان همهم خلاص أنفسهم، يقال: همني الشيء أي كان من همي وقصدي، قال أبو مسلم: من عادة العرب أن يقولوا لمن خاف، قد أهمته نفسه، فهؤلاء المنافقون لشدة خوفهم من القتل طار النوم عنهم، وقيل المؤمنون، كان همهم النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانهم من المؤمنين، والمنافقون كان همهم أنفسهم وتحقيق القول فيه: أن الأنسان إذا اشتد اشتغاله بالشيء واستغراقه فيه، صار غافلا عما سواه، فلما كان أحب الأشياء إلى الأنسان نفسه، فعند الخوف على النفس يصير ذاهلا عن كل ما سواها، فهذا هو المراد من قوله: {أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} وذلك لأن أسباب الخوف وهي قصد الأعداء كانت حاصلة والدافع لذلك وهو الوثوق بوعد الله ووعد رسوله ما كان معتبرًا عندهم، لأنهم كانوا مكذبين بالرسول في قلوبهم، فلا جرم عظم الخوف في قلوبهم. اهـ..من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يَظُنُّونَ بالله غَيْرَ الحق ظَنَّ الجاهلية}: .قال الفخر: في هذا الظن احتمالان:أحدهما: وهو الأظهر: هو أن ذلك الظن أنهم كانوا يقولون في أنفسهم لو كان محمد محقا في دعواه لما سلط الكفار عليه وهذا ظن فاسد، أما على قول أهل السنة والجماعة، فلأنه سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا اعتراض لأحد عليه، فإن النبوة خلعة من الله سبحانه يشرف عبده بها، وليس يجب في العقل أن المولى إذا شرف عبده بخلعة أن يشرفه بخلعة أخرى، بل له الأمر والنهي كيف شاء بحكم الالهية، وأما على قول من يعتبر المصالح في أفعال الله وأحكامه، فلا يبعد أن يكون لله تعالى في التخلية بين الكافر والمسلم، بحيث يقهر الكافر المسلم، حكم خفية وألطاف مرعية، فإن الدنيا دار الامتحان والابتلاء، ووجوه المصالح مستورة عن العقول، فربما كانت المصلحة في التخلية بين الكافر والمؤمن حتى يقهر الكافر المؤمن، وربما كانت المصلحة في تسليط الفقر والزمانة على المؤمنين.قال القفال: لو كان كون المؤمن محقًا يوجب زوال هذه المعاني لوجب أن يضطر الناس إلى معرفة المحق بالجبر، وذلك ينافي التكليف واستحقاق الثواب والعقاب، بل الأنسان إنما يعرف كونه محقًا بما معه من الدلائل والبينات، فأما القهر فقد يكون من المبطل للمحق، ومن المحق للمبطل، وهذه جملة كافية في بيان أنه لا يجوز الاستدلال بالدولة والشوكة ووفور القوة على أن صاحبها على الحق.الثاني: أن ذلك الظن هو أنهم كانوا ينكرون إله العالم بكل المعلومات القادر على كل المقدورات، وينكرون النبوة والبعث، فلا جرم ما وثقوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في أن الله يقويهم وينصرهم. اهـ.فصل:قال الفخر:{غَيْرِ الحق} في حكم المصدر، ومعناه: يظنون بالله غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به (وظن الجاهلية) بدل منه، والفائدة في هذا الترتيب أن غير الحق: أديان كثيرة، وأقبحها مقالات أهل الجاهلية، فذكر أولا أنهم يظنون بالله غير الظن الحق، ثم بين أنهم اختاروا من أقسام الأديان التي غير حقة أركها وأكثرها بطلانا، وهو ظن أهل الجاهلية، كما يقال: فلان دينه ليس بحق، دينه دين الملاحدة. اهـ..قال ابن عاشور: وإنَّما كان هذا الظنّ غيرَ الحقّ لأنَّه تخليط في معرفة صفات الله وصفات رسوله وما يجوز وما يستحيل، فإنّ لله أمرًا وهديًا وله قدَر وتيسير، وكذلك لرسوله الدعوة والتشريع وبذل الجهد في تأييد الدّين وهو في ذلك معصوم، وليس معصومًا من جريان الأسباب الدنيوية عليه، ومن أن يكون الحرب بينه وبين عدوّه سجالًا، قال أبو سفيان لهرقل وقد سأله: كيف كان قتالكم له؟ فقال أبو سفيان: ينال منّا وننال منه، فقال هرقل: وكذلك الإيمان حتَّى يتمّ.فظنّهم ذلك ليس بحقّ.وقد بيّن الله تعالى أنه ظنّ الجاهلية الَّذين لم يعرفوا الإيمان أصلًا فهؤلاء المتظاهرون بالإيمان لم يدخل الإيمان في قلوبهم فبقيت معارفهم كما هي من عهد الجاهلية، والجاهلية صفة جرت على موصوف محذوف يقدّر بالفئة أو الجماعة، وربما أريد به حالة الجاهلية في قولهم أهل الجاهلية، وقوله تعالى: {تبرّج الجاهلية الأولى}، والظاهر أنه نسبة إلى الجاهل أي الَّذي لا يعلم الدين والتَّوحيد، فإنّ العرب أطلقت الجهل على ما قابل الحلم، قال ابن الرومي:وأطلقت الجهل على عدم العلم قال السموأل: وقال النابغة: وأحسب أن لفظ الجاهلية من مبتكرات القرآن، وصف به أهل الشرك تنفيرًا من الجهل، وترغيبًا في العلم، ولذلك يذكره القرآن في مقامات الذمّ في نحو قوله: {أفحكم الجاهلية يبغون} [المائدة: 50] {ولاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الجاهليّة الأولى} [الأحزاب: 33] {إذ جعل الَّذين كفروا في قلوبهم الحَمِيَّة حَمِيَّة الجَاهلية} [الفتح: 26].وقال ابن عبَّاس: سمعت أبي في الجاهلية يقول: اسقنا كأسًا دِهاقًا، وفي حديث حكيم بن حِزام: أنه سأل النَّبيء صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان يتحنّث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم.وقالوا: شعر الجاهلية، وأيَّامُ الجاهلية.ولم يسمع ذلك كُلّه إلاّ بعد نزول القرآن وفي كلام المسلمين. اهـ.
|