الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.[سورة آل عمران: الآيات 121- 122] {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَالله وَلِيُّهُما وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}.وَاذكر إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ بالمدينة وهو غدوّه إلى أحد من حجرة عائشة رضى الله عنها.روى أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبىّ ابن سلول ولم يدعه قط قبلها، فاستشاره، فقال عبد الله وأكثر الأنصار: يا رسول الله، أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم، فو الله ما خرجنا منها إلى عدوّ قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا، فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة، وإن رجعوا رجعوا خائبين وقال بعضهم: يا رسول الله، اخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب لا يرون أنا قد جبنا عنهم. فقال صلى الله عليه وسلم: إني قد رأيت في منامي بقرًا مذبحة حولي، فأوّلتها خيرًا، ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا فأولته هزيمة، ورأيت كأنى أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم. فقال رجال من المسلمين قد فاتتهم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد: اخرج بنا إلى أعدائنا. فلم يزالوا به حتى دخل فلبس لأمته. فلما رأوه قد لبس لأمته ندموا وقالوا: بئسما صنعنا، نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحى يأتيه، وقالوا: اصنع يا رسول ما رأيت، فقال: لا ينبغي لنبىّ أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل، فخرج يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة وأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال فمشى على رجليه فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما بقوّم بهم القدح إن رأى صدرًا خارجا قال: تأخر، وكان نزوله في عدوة الوادي وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وأمّر عبد الله بن جبير على الرماة وقال لهم: «انضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا» تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ تنزلهم. وقرأ عبد الله للمؤمنين، بمعنى تسوى لهم وتهيئ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ مواطن ومواقف. وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار. واستعمل المقعد والمقام في معنى المكان. ومنه قوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ}، {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ} من مجلسك وموضع حكمك وَالله سَمِيعٌ لأقوالكم عليم بنياتكم وضمائركم إِذْ هَمَّتْ بدل من {إِذْ غَدَوْتَ} أو عمل فيه معنى {سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. والطائفتان حيان من الأنصار: بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وهما الجناحان. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف، وقيل في تسعمائة وخمسين، والمشركون في ثلاثة آلاف ووعدهم الفتح إن صبروا، فانخزل عبد الله بن أبىّ بثلث الناس وقال: يا قوم، علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم عمرو بن حزم الأنصارى فقال: أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم، فقال عبداك: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، فهمّ الحيان باتباع عبد الله فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس رضى الله عنه: أضمروا أن يرجعوا، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا.والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس، وكما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع، ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه، كما قال عمرو بن الأطنابة:حتى قال معاوية: عليكم بحفظ الشعر، فقد كدت أضع رجلي في الركاب يوم صفين، فما ثبت منى إلا قول عمرو بن الأطنابة. ولو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية، والله تعالى يقول وَالله وَلِيُّهُما ويجوز أن يراد: والله ناصرهما ومتولى أمرهما، فما لهما تفشلان ولا تتوكلان على الله فإن قلت، فما معنى ما روى من قول بعضهم عند نزول الآية. والله ما يسرنا أنا لم نهم بالذي هممنا به وقد أخبرنا الله بأنه ولينا؟ قلت: معنى ذلك فرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية، وأن تلك الهمة غير المأخوذ بها- لأنها لم تكن عن عزيمة وتصميم- كانت سببا لنزولهما. والفشل: الجبن والخور. وقرأ عبد الله: والله وليهم كقوله: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}. .[سورة آل عمران: الآيات 123- 127] {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ الله إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127)}.أمرهم بألا يتوكلوا إلا عليه ولا يفوّضوا أمورهم إلا إليه ثم ذكرهم ما يوجب عليهم التوكل مما يسر لهم من الفتح يوم بدر وهم في حالة قلة وذلة. والأذلة: جمع قلة والذلان جمع الكثرة، وجاء بجمع القلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلا، وذلتهم: ما كان بهم من ضعف الحال وقلة السلاح والمال والمركوب، وذلك أنهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد وما كان معهم إلا فرس واحد. وقلتهم أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، وكان عدوّهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل ومعهم مائة فرس والشكة والشوكة. وبدر: اسم ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرًا فسمى به فَاتَّقُوا الله في الثبات مع رسوله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ بتقواكم ما أنعم به عليكم من نصرته. أو لعلكم ينعم الله عليكم نعمة أخرى تشكرونها، فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له {إِذْ تَقُولُ} ظرف لنصركم، على أن يقول لهم ذلك يوم بدر، أو بدل ثان من {إِذْ غَدَوْتَ} على أن يقوله لهم يوم أحد. فإن قلت. كيف يصح أن يقول لهم يوم أحد ولم تنزل فيه الملائكة؟ قلت: قاله لهم مع اشتراط الصبر والتقوى، فلم يصبروا عن الغنائم ولم يتقوا، حيث خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك لم تنزل الملائكة ولو تموا على ما شرط عليهم لنزلت. وإنما قدم لهم الوعد بنزول الملائكة لتقوى قلوبهم ويعزموا على الثبات ويثقوا بنصر الله. ومعنى أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف من الملائكة. وإنما جيء بلن الذي هو لتأكيد النفي، للإشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوّهم وشوكته كالآئسين من النصر. وبَلى إيجاب لما بعد لن، بمعنى: بل يكفيكم الإمداد بهم، فأوجب الكفاية ثم قال إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا يمددكم بأكثر من ذلك العدد مسوّمين للقتال وَيَأْتُوكُمْ يعنى المشركين مِنْ فَوْرِهِمْ هذا من قولك: قفل من غزوته وخرج من فوره إلى غزوة أخرى، وجاء فلان ورجع من فوره.ومنه قول أبى حنيفة رحمه الله: الأمر على الفور لا على التراخي، وهو مصدر من: فارت القدر، إذا غلت، فاستعير للسرعة، ثم سميت به الحالة التي لا ريث فيها- ولا تعريج على شيء من صاحبها فقيل: خرج من فوره، كما تقول: خرج من ساعته، لم يلبث. والمعنى: أنهم إن يأتوكم من ساعتهم هذه يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بالملائكة في حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم، يريد: أنّ الله يعجل نصرتكم وييسر فتحكم إن صبرتم واتقيتم.وقرئ {منزلين} بالتشديد. ومنزلين بكسر الزاى، بمعنى: منزلين النصر. و{مُسَوِّمِينَ} بفتح الواو وكسرها، بمعنى: معلمين. ومعلمين أنفسهم أو خيلهم. قال الكلبي: معلمين بعمائم صفر مرخاة على أكتافهم.وعن الضحاك: معلمين بالصوف الأبيض في نواصي الدواب وأذنابها.وعن مجاهد: مجزوزة أذناب خيلهم.وعن قتادة: كانوا على حيل بلق.وعن عروة بن الزبير: كانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء، فنزلت الملائكة كذلك، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه «تسوّموا فإنّ الملائكة قد تسوّمت» وَما جَعَلَهُ الله الهاء لأن يمدكم. أى: وما جعل الله إمدادكم بالملائكة إلا بشارة لكم بأنكم تنصرون {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}.كما كانت السكينة لبنى إسرائيل بشارة بالنصر وطمأنينة لقلوبهم {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله} لا من عند المقاتلة إذا تكاثروا، ولا من عند الملائكة والسكينة، ولكن ذلك مما يقوى به الله رجاء النصرة والطمع في الرحمة، ويربط به على قلوب المجاهدين الْعَزِيزِ الذي لا يغالب في حكمه الْحَكِيمِ الذي يعطى النصر ويمنعه لما يرى من المصلحة لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر، وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش وصناديدهم {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ غير ظافرين بمبتغاهم.ونحوه {وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا} ويقال: كبته، بمعنى كبده إذا ضرب كبده بالغيظ والحرقة. وقيل في قول أبى الطيب:هو من الكبد والرئة، واللام المتعلقة بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله} أو بقوله: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله}. أَوْ يَتُوبَ عطف على ما قبله. .[سورة آل عمران: الآيات 128- 129] {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}.ولَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ اعتراض. والمعنى أنّ الله مالك أمرهم، فإما يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر، وليس لك من أمرهم شيء، إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم. وقيل إنّ {يَتُوبَ} منصوب بإضمار «أن» و«وأن يتوب» في حكم اسم معطوف بأو على الأمر أو على شيء، أي ليس لك من أمرهم شيء، أو من التوبة عليهم، أو من تعذيبهم. أو ليس لك من أمرهم شيء، أو التوبة عليهم، أو تعذيبهم، وقيل «أو» بمعنى «إلا أن» كقولك: لألزمنك أو تعطيني حقي، على معنى ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتفرح بحالهم، أو يعذبهم فتتشفى منهم. وقيل: شجه عتبة ابن أبى وقاص يوم أحد وكسر رباعيته، فجعل يمسح الدم عن وجهه، وسالم مولى أبى حذيفة يغسل عن وجهه الدم، وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم، فنزلت. وقيل: أراد أن يدعو الله عليهم فنهاه الله تعالى، لعلمه أن فيهم من يؤمن.وعن الحسن {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ} بالتوبة، ولا يشاء أن يغفر إلا للتائبين {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ} ولا يشاء أن يعذب إلا المستوجبين للعذاب.وعن عطاء: يغفر لمن يتوب إليه ويعذب من لقيه ظالما. وإتباعه قوله: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ} تفسير بين لمن يشاء، وأنهم المتوب عليهم، أو الظالمون، ولكن أهل الأهواء والبدع يتصامتون ويتعامون عن آيات الله فيخبطون خبط عشواء، ويطيبون أنفسهم بما يفترون على ابن عباس من قولهم. يهب الذنب الكبير لمن يشاء، ويعذب من يشاء على الذنب الصغير..[سورة آل عمران: الآيات 130- 132] {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافًا مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}.{لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافًا مُضاعَفَةً} نهى عن الربا مع توبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه كان الرجل منهم إذا بلغ الدين محله زاد في الأجل فاستغرق بالشيء الطفيف مال المديون.{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: هي أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه. وقد أمدّ ذلك بما أتبعه من تعليق رجاء المؤمنين لرحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله. ومن تأمّل هذه الآية وأمثالها لم يحدث نفسه بالأطماع الفارغة والتمني على الله تعالى، وفي ذكره تعالى «لعلّ» و«عسى» في نحو هذه المواضع- وإن قال الناس ما قالوا- ما لا يخفى على العارف الفطن من دقة مسلك التقوى، وصعوبة إصابة رضا الله، وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه. اهـ..فوائد بلاغية: .قال أبو حيان: وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من الفصاحة والبديع.من ذلك العام المراد به الخاص: في من أهلك، قال الجمهور: أراد به بيت عائشة.فالاختصاص في: والله سميع عليم، وفي: فليتوكل المؤمنون، وفي: ما في السموات وما في الأرض، وفي: يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء خص نفسه بذلك كقوله: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} وفي {العزيز الحكيم} لأن العز من ثمرات النصر، والتدبير الحسن من ثمرات الحكمة.والتشبيه: في ليقطع طرفًا، شبه من قتل منهم وتفرّق بالشيء المقتطع الذي تفرقت أجزاؤه وانخرم نظامه، وفي: ولتطمئن قلوبكم شبه زوال الخوف عن القلب وسكونه عن غليانه باطمئنان الرّجل الساكن الحركة.وفي: فينقلبوا خائبين شبه رجوعهم بلا ظفر ولا غنيمة بمن أمل خيرًا من رجل فأمّه، فأخفق أمله وقصده.والطباق: في نصركم وأنتم أذلة، النصر إعزاز وهو ضد الذل.وفي: يغفر ويعذب، الغفران ترك المؤاخذة والتعذيب المؤاخذة بالذنب.والتجوز بإطلاق التثنية على الجمع في: أن يفشلا.وبإقامة اللام مقام إلى في: ليس لك أي إليك، أو مقام على: أي ليس عليك.والحذف والاعتراض في مواضع اقتضت ذلك والتجنيس المماثل في: أضعافًا مضاعفة.وتسمية الشيء بما يؤول إليه في: لا تأكلوا سمَّى الأخذ أكلًا، لأنه يؤول إليه. اهـ..قال في صفوة التفاسير: البلاغة:1- {إذ تقول} صيغة المضارع لحكآية الحال الماضية لاستحضار صورتها في الذهن.2- {أن يمدكم ربكم} التعرض لعنوان الربوبية مع إضافته للمخاطبين لإظهار كمال العنآية بهم.3- {يغفر ويعذب} بينهما طباق.4- {أضعافا مضاعفة} جناس الإشتقاق.5- {لا تأكلوا الربا} سمي الإخذ أكلا لأنه يئول إليه فهو مجاز مرسل. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري: قال عليه الرحمة:{وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}.قَرَنَ طاعة الرسول صلوات الله عليه بطاعة نفسه تشريفًا لِقَدْرِه، وتخفيفًا على الأمة حيث ردَّهم إلى صحبة شخص من أنفسهم، فإنَّ الجنسَ إلى الجنسِ أسكنُ. اهـ..من فوائد الشعراوي في الآيات السابقة: قال رحمه الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الربا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً}.والربا زيادة في المال، فهل يؤكل؟ نعم؛ لأن كل المسائل المالية من أجل اللقمة التي تأكلها، هذا هو الأصل. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من أصبح منكم آمنًا في سِرْبِهِ مُعَافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا».
|