فصل: مناسبة الآيتين لما قبلهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

قال الفخر:
استجاب: بمعنى أجاب، ومنه قوله: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ إلى} [البقرة: 186] وقيل: أجاب، فعل الاجابة واستجاب طلب أن يفعل الإجابة، لأن الأصل في الاستفعال طلب الفعل، والمعنى أجابوا وأطاعوا الله في أوامره وأطاعوا الرسول من بعد ما أصابهم الجراحات القوية. اهـ.
وقال الفخر:
في قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ واتقوا أَجْرٌ عَظِيمٌ} وجوه:
الأول: {أَحْسَنُواْ} دخل تحته الائتمار بجميع المأمورات، وقوله: {واتقوا} دخل تحته الانتهاء عن جميع المنهيات، والمكلف عند هذين الأمرين يستحق الثواب العظيم.
الثاني: أحسنوا في طاعة الرسول في ذلك الوقت، واتقوا الله في التخلف عن الرسول، وذلك يدل على أنه يلزمهم الاستجابة للرسول وإن بلغ الأمر بهم في الجراحات ما بلغ من بعد أن يتمكنوا معه من النهوض.
الثالث: أحسنوا: فيما أتوا به من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتقوا ارتكاب شيء من المنهيات بعد ذلك. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {الذين استجابوا} فيه ستة أوْجُهٍ:
أحدها: أنه مبتدأ، وخبره قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ واتقوا أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
وقال مَكيٌّ: ابتداء وخبره {من بعدما أصابهم القرح} وهذا غلطٌ؛ لأن هذا ليس بمفيد ألبتة، بل {من بعد} متعلقٌ بـ {استجابوا}.
الثاني: أنه خبر مبتدأ مُضْمَر، أي: هم الذين.
الثالث: أنه منصوب بإضمار أعني وهذانِ الوجهانِ يشملهما قولك: القطع.
الرابع: أنه بدل من المؤمنين.
الخامس: أنه بدلٌ من {الذين لم يلحقوا} قَالَه مَكّيٌّ.
السادسُ: أنه نعتٌ للمؤمنين ويجوزُ فيه وجهٌ سابعٌ، وهو أن يكون نعتًا لقوله: {الذين لم يلحقوا} قياسًا على جَعْلِهِ بدلًا منهم عند مكيٍّ.
وما في قوله: {مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ} مصدرية، و{الذين أحسنوا} خَبَرٌ مقدَّمٌ، و{منهم} فِيهِ وَجْهَان:
أحدهما: أنه حالٌ من الضمير في {أحسنوا} وعلى هذا ف {من} تكون تبعيضية.
الثاني: أنها لبيان الجنسِ.
قال الزمخشري: مثلها في قوله تعالى: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً} [الفتح: 29] لأن الذين استجابوا لله والرسولِ قد أحسنوا كلهم لا بعضهم.
و{أجر} مبتدأ مؤخَّر، والجملة من هذا المبتدأ وخبره، إما مُستأنفة، أو حالٌ- إن لم يُعْرَب {الذين استجابوا} مبتدأ- وإما خبرٌ- إنْ أعربناه مبتدأ- كما تقدم تقريره. والمرادُ: أحسنوا فما أتوا به من طاعة الرسول صلى الله واتقوا ارتكابَ شيءٍ من المنهيات. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف الإمام القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)}.
للاستجابة مزية وفضيلة على الإجابة من حيث الإشارة لا من مقتضى العربية وهو أنه يستجيب طوعًا لا كرهًا، فهم استجابوا لله من غير انطواء على تحمل مشقة بل بإشارة القلب ومحبة الفؤاد واختيار الروح واستحلاء تحمُّل الحُكْم. فالاستجابة للحق بوجوده، والاستجابة للرسول عليه السلام بالتخلُّق بما شرع من حدوده.
استجابة الحق بالتحقق بالصفاء في حق الربوبية، واستجابة الرسول عليه السلام بالوفاء في إقامة العبودية.
{مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ}: في ابتداء معاملاتهم قبل ظهور أنوار التجلي على قلوبهم، وابتسام الحقائق في أسرارهم.
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ}: «الإحسان أن تعبد الله كأنَّك تراه...»- وهو المشاهدة والتقوى-... «فإن لم تكن تراه فإنه يراك»- وهو المراقبة في حال المجاهدة.
{أَجْرٌ عَظِيمٌ} لأهل البداية مؤجَّلًا، ولأهل النهاية مُعجَّلًا. اهـ.

.تفسير الآيات (173- 174):

قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما كان قول نعيم بن مسعود أو ركب عبد القيس عند الصحابة رضي الله عنهم صدقًا لا شك فيه لما قام عندهم من القرائن، فكان بمنزلة المتواتر الذي تمالأ عليه الخلائق، وكانت قريش أعلى الناس شجاعة وأوفاهم قوة وأعرقهم أصالة فكانوا كأنهم جميع الناس، كان التعبير- بصيغة في قوله: {الذين قال لهم الناس} أي نعيم أو ركب عبد القيس {إن الناس} يعني قريشًا {قد جمعوا لكم فاخشوهم} أمدح للصحابة رضي الله عنهم من التعبير عمن أخبرهم ومن جمع لهم بخاص اسمه أو وصفه.
ولما كان الموجب لأقدامهم على اللقاء بعد هذا القول الذي لم يشكوا في صدقه ثبات الإيمان وقوة الإيقان قال تعالى: {فزادهم} أي هذا القول: {إيمانًا} لأنه ما ثناهم عن طاعة الله ورسوله {وقالوا} ازدراء بالخلائق اعتمادًا على الخالق {حسبنا} أي كافينا {الله} أي الملك الأعلى في القيام بمصالحنا.
ولما كان ذلك هو شأن الوكيل وكان في الوكلاء من يذم قال: {ونعم الوكيل} أي الموكول إليه المفوض إليه جميع الأمور؛ روى البخاري في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هذه الكلمة قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم.
وقال: كان آخر كلمة قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل»
.
ولما كان اعتمادهم على الله سببًا لفلاحهم قال: {فانقلبوا} أي فكان ذلك سببًا لأنهم انقلبوا، أي من الوجه الذي ذهبوا فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم {بنعمة} وعظمها بإضافتها إلى الاسم الأعظم فقال: {من الله} أي الذي له الكمال كله {وفضل} أي من الدنيا ما طاب لهم من طيب الثناء بصدق الوعد ومضاء العزم وعظيم الفناء والجرأة إلى ما نالوه.
عند ربهم حال كونهم {لم يمسسهم سوء} أي من العدو خوفوه ولا غيره {واتبعوا} أي مع ذلك بطاعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغاية جهدهم {رضوان الله} أي الذي له الجلال والجمال فحازوا أعظم فضله {والله} أي الذي لا كفوء له {ذو عظيم} أي في الدارين على من يرضيه، فستنظرون فوق ما تؤملون، فليبشر المجيب ويغتم ويحزن المتخلف، ولعظم الأمر كرر الاسم الأعظم كثيرًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

المراد بقوله: {الذين} من تقدم ذكرهم، وهم الذين استجابوا لله والرسول، وفي المراد بقوله: {قَالَ لَهُمُ الناس} وجوه: الأول: أن هذا القائل هو نعيم بن مسعود كما ذكرناه في سبب نزول هذه الآية، وإنما جاز إطلاق لفظ الناس على الإنسان الواحد، لأنه إذا قال الواحد قولا وله أتباع يقولون مثل قوله أو يرضون بقوله، حسن حينئذ إضافة ذلك الفعل إلى الكل، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فادرأتم فِيهَا} [البقرة: 72] {وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً} [البقرة: 55] وهم لم يفعلوا ذلك وإنما فعله أسلافهم، إلا أنه أضيف إليهم لمتابعتهم لهم على تصويبهم في تلك الأفعال فكذا هاهنا يجوز أن يضاف القول إلى الجماعة الراضين بقول ذلك الواحد.
الثاني: وهو قول ابن عباس، ومحمد بن إسحاق: أن ركبا من عبد القيس مروا بأبي سفيان، فدسهم إلى المسلمين ليجبنوهم وضمن لهم عليه جعلا.
الثالث: قال السدي: هم المنافقون، قالوا للمسلمين حين تجهزوا للمسير إلى بعد لميعاد أبي سفيان: القوم قد أتوكم في دياركم، فقتلوا الأكثرين منكم، فإن ذهبتهم إليهم لم يبق منكم أحد. اهـ.

.قال الجصاص:

قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الْآيَةَ.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ إِسْحَاقَ: إنَّ الَّذِينَ قَالُوا كَانُوا رَكْبًا وَبَيْنَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ لِيَحْبِسُوهُمْ عِنْدَ مُنْصَرِفِهِمْ مِنْ أُحُدٍ لَمَّا أَرَادُوا الرُّجُوعَ إلَيْهِمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ أَعْرَابِيٌّ ضَمِنَ لَهُ جُعْلًا عَلَى ذَلِكَ؛ فَأَطْلَقَ اللَّهُ تعالى اسْمِ النَّاسِ عَلَى الْوَاحِدِ عَلَى قَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أنه كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا، فَهَذَا عَلَى أنه أَطْلَقَ لَفْظَ الْعُمُومِ وَأَرَادَ بِهِ الْخُصُوصَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا كَانَ النَّاسُ اسْمًا لِلْجِنْسِ وَكَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ، تَنَاوَلَ ذَلِكَ أَقَلَّهُمْ وَهُوَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُ الْجِنْسِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت النَّاسَ فَعَبْدِي حَرٌّ: أنه عَلَى كَلَامِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُ الْجِنْسِ، وَمَعْلُومٌ أنه لَمْ يُرِدْ بِهِ اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ. اهـ.

.قال البقاعي:

ومما يجب التنبيه له أن البيضاوي قال تبعًا للزمخشري: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر الموعد في سبعين راكبًا، وفي تفسير البغوي أن ذلك كان في حمراء الأسد، فإن حمل على أن الركبان من الجيش كان ذلك عددهم وأن الباقين كانوا مشاة فلعله، وإلا فليس كذلك، وأما في حمراء الأسد فإن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن المشركين هموا بعد انفصالهم من أحد بالرجوع، فأراد أن يرهبهم وأن يريهم من نفسه وأصحابه قوة، فنادى مناديه يوم الأحد- الغد من يوم أُحد- بطلب العدو وأن لا يخرج معه إلا من كان حاضرًا معه بالأمس، فأجابوا بالسمع والطاعة، فخرج في أثرهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، ولا يشك في أنهم أجابوا كلهم، ولم يتخلف منهم أحد، وقد كانوا في أحد نحو سبعمائة ولم يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج معه لأحد لم يشهد القتال يوم أحد، واستأذنه رجال لم يشهدوها فمنعهم إلا ما كان من جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فإنه أذن له لعلة ذكرها في التخلف عن أحد محمودة.
قال الواقدي: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه وهو معقود لم يحل من الأمس، فدفعه إلى علي رضي الله عنه، ويقال: إلى أبي بكر رضي الله عنه، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه مشجوج وهو مجروح، في وجهه أثر الحلقتين، ومشجوج في جبهته في أصول الشعر، ورباعيته قد سقطت، وشفته قد كلمت من باطنها وهو متوهن منكبه الأيمن بضربة ابن قميئة، وركبتاه مجحوشتان بأبي هو وأمي ووجهي وعيني! فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فركع ركعتين والناس قد حشدوا، ونزل أهل العوالي حيث جاءهم الصريخ، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، فدعا بفرسه على باب المسجد، وتلقاه طلحة رضي الله عنه وقد سمع المنادي فخرج ينظر متى يسير، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الدرع والمغفر وما يرى منه إلا عيناه فقال: يا طلحة سلاحك! قال: قلت: قريب، قال: فأخرج، أعدو فألبس درعي ولأنا أهم بجراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مني بجراحي، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلحة فقال: «أين ترى القوم الآن؟» قال: هم بالسيالة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك الذي ظننت! أما إنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح الله مكة علينا!» ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى عسكر بحمراء الأسد، قال جابر رضي الله عنه: وكان عامة زادنا التمر، وحمل سعد بن عبادة رضي الله عنه ثلاثين بعيرًا حتى وافت الحمراء، وساق جزورًا فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم في النهار بجمع الحطب، فإذا أمسوا أمر أن توقد النيران، فيوقد كل رجل نارًا، فلقد كنا تلك الليالي نوقد خمسمائة نار حتى نرى من المكان البعيد، وذهب ذكر معسكرنا ونيراننا في كل وجه حتى كان ما كبت الله به عدونا فهنا ظاهر في أنهم كانوا خمسمائة رجل- والله أعلم- ويؤيده ذلك ما نقل من أخبار المثقلين بالجراح- قال الواقدي: جاء سعد بن معاذ رضي الله عنه والجراح في الناس فاشية، عامة بني عبد الأشهل جريح، بل كلهم- رضي الله عنهم! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تطلبوا عدوكم، قال: يقول أسيد بن حضير رضي الله عنه وبه سبع جراحات وهو يريد أن يداويها: سمعًا وطاعة لله ولرسوله! فأخذ سلاحه ولم يعرج على دواء جراحه ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وجاء سعد بن عبادة رضي الله عنه قومه بني ساعده فآمرهم بالمسير، فلبسوا ولحقوا، وجاء أبو قتادة رضي الله عنه أهل خربى وهم يداوون الجراح فقال: هذا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب العدو، فوثبوا إلى سلاحهم وما عرجوا على جراحاتهم- رضي الله عنهم! فخرج من بني سلمة رضي الله عنهم أربعون جريحًا، وبالطفيل بن النعمان رضي الله عنه ثلاثة عشر جرحًا، وبقطبه بن عامر بن حديدة رضي الله عنه تسع جراحات حتى وافوا النبي صلى الله عليه وسلم ببئر أبي عتبة إلى رأس الثنية عليهم السلاح، قد صفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر إليهم والجراح فيهم فاشية قال: «اللهم ارحم بني سلمة!» وحدث ابن إسحاق والواقدي أن عبد الله بن سهل ورافع بن سهل رضي الله عنهما كان بهما جراح كثيرة، فلما بلغهما النداء قال أحدهما لصاحبه: والله إن تركنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لغَبنا والله ما عندنا دابة نركبها وما ندري كيف نصنع! قال عبد الله: انطلق بن، قال رافع: لا والله ما بي مشي! قال أخوه: انطلق بنا نتجارّ، فخرجا يزحفان فضعف رافع فكان عبد الله يحمله على ظهره عقبة ويمشي الآخر عقبة حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العشاء وهو يوقدون النيران، فأتى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى حرسه تلك الليلة عباد بن بشر فقال: «ما حبسكما؟ فأخبراه بعلتهما، فدعا لهما بخير وقال: إن طالت بكم مدة كانت لكم مراكب من خيل وبغال وإبل، وليس ذلك بخير لكم» وأما غزوة بدر الموعد فروى الواقدي- ومن طريقه الحاكم في الإكليل- كما حكاه ابن سيد الناس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج في هذه الغزوة في ألف وخمسمائة من أصحابه رضي الله عنهم، وكان الخيل عشرة قال الواقدي: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الموسم: يا محمد! لقد أخبرنا أنه لم يبق منكم أحد، فما أعلمكم إلا أهل الموسم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- «ليرفع ذلك إلى عدوه: ما أخرجنا إلا موعد أبي سفيان وقتال عدونا، وإن شئت مع ذلك نبذنا إليك وإلى قومك العهد ثم جالدناكم قبل أن نبرح من منزلنا هذا، فقال الضمري: بل نكف أيدينا عنكم ونتمسك بحلفك». اهـ.