الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
الأول: أن يكون المراد ذلك في إبراهيم وفي موسى، لأن من ذكر إبراهيم يعلم ذلك.الثاني: لقومك في لوط وقومه عبرة، وفي موسى وفرعون.الثالث: أن يكون هناك معنى قوله تعالى: تفكروا في إبراهيم ولوط وقومهما، وفي موسى وفرعون، والكل قريب بعضه من بعض، وأما الثاني ففيه أيضًا وجوه.أحدها: أنه عطف على قوله: {وَفِى الأرض ءايات لّلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20]، {وَفِى موسى} وهو بعيد لبعده في الذكر، ولعدم المناسبة بينهما.ثانيها: أنه عطف على قوله: {وَتَرَكْنَا فِيهَا ءايَةً لّلَّذِينَ يَخَافُونَ} [الذاريات: 37]، {وَفِى موسى} أي وجعلنا في موسى على طريقة قولهم: علفتها تبنًا وماءً باردًا، وتقلدت سيفًا ورمحًا، وهو أقرب، ولا يخلو عن تعسف إذا قلنا بما قال به بعض المفسرين إن الضمير في قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا فِيهَا} عائد إلى القرية.ثالثها: أن نقول فيها راجع إلى الحكاية، فيكون التقدير: وتركنا في حكايتهم آية أو في قصتهم، فيكون: وفي قصة موسى آية، وهو قريب من الاحتمال الأول، وهو العطف على المعلوم.رابعها: أن يكون عطفًا على {هَلْ أَتَاكَ حديث ضَيْفِ إبراهيم} [الذاريات: 24] وتقديره: وفي موسى حديث إذ أرسلناه، وهو مناسب إذ جمع الله كثيرًا من ذكر إبراهيم وموسى عليهما السلام، كما قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ موسى وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 36] وقال تعالى: {صُحُفِ إبراهيم وموسى} [الأعلى: 19] والسلطان القوة بالحجة والبرهان، والمبين الفارق، وقد ذكرنا أنه يحتمل أن يكون المراد منه ما كان معه من البراهين القاطعة التي حاج بها فرعون، ويحتمل أن يكون المراد المعجز الفارق بين سحر الساحر وأمر المرسلين.قوله تعالى: {فتولى بِرُكْنِهِ} فيه وجوه.الأول: الباء للمصاحبة، والركن إشارة إلى القوم كأنه تعالى يقول: أعرض مع قومه، يقال نزل فلان بعسكره على كذا، ويدل على هذا الوجه قوله تعالى: {فَأَرَاهُ الأية الكبرى فَكَذَّبَ وعصى ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى} [النازعات: 20 22] قال: {أَدْبَرَ} وهو بمعنى تولى وقوله: {فَحَشَرَ فنادى} [النازعات: 23] وفي معنى قوله تعالى: {بِرُكْنِهِ}.الثاني: {فتولى} أي اتخذ وليًا، والباء للتعدية حينئذ يعني تقوى بجنده.والثالث: تولى أمر موسى بقوته، كأنه قال: أقتل موسى لئلا يبدل دينكم، ولا يظهر في الأرض الفساد، فتولى أمره بنفسه، وحينئذ يكون المفعول غير مذكور، وركنه هو نفسه القوية، ويحتمل أن يكون المراد من ركنه هامان، فإنه كان وزيره، وعلى هذا الوجه الثاني أظهر.{وَقال ساحر أَوْ مَجْنُونٌ} أي هذا ساحر أو مجنون، وقوله: {ساحر} أي يأتي الجن بسحره أو يقرب منهم، والجن يقربون منه ويقصدونه إن كان هو لا يقصدهم، فالساحر والمجنون كلاهما أمره مع الجن، غير أن الساحر يأتيهم باختياره، والمجنون يأتونه من غير اختياره، فكأنه أراد صيانة كلامه عن الكذب فقال هو يسحر الجن أو يسحر، فإن كان ليس عنده منه خبر، ولا يقصد ذلك فالجن يأتونه.{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)}.وهو إشارة إلى بعض ما أتى به، كأنه يقول: واتخذ الأولياء فلم ينفعوه، وأخذه الله وأخذ أركانه وألقاهم جميعًا في اليم وهو البحر، والحكاية مشهورة، وقوله تعالى: {وهو مليم} نقول فيه شرف موسى عليه السلام وبشارة للمؤمنين، أما شرفه فلأنه قال بأنه أتى بما يلام عليه بمجرد قوله: إني أُريد هلاك أعدائك يا إله العالمين، فلم يكن له سبب إلا هذا، أما فرعون فقال: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24] فكان سببه تلك، وهذا كما قال القائل: فلان عيبه أنه سارق، أو قاتل، أو يعاشر الناس يؤذيهم، وفلان عيبه أنه مشغول بنفسه لا يعاشر، فتكون نسبة العيبين بعضهما إلى بعض سببًا لمدح أحدهما وذم الآخر.وأما بشارة المؤمنين فهو بسبب أن من التقمه الحوت وهو مليم نجاه الله تعالى بتسبيحه، ومن أهلكه الله بتعذيبه لم ينفعه إيمانه حين قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} [يونس: 90].{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)}.وفيه ما ذكرنا من الوجوه التي ذكرناها في عطف موسى عليه السلام، وفيه مسائل:المسألة الأولى:ذكر أن المقصود هاهنا تسلية قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتذكيره بحال الأنبياء، ولم يذكر في عاد وثمود أنبياءهم، كما ذكر إبراهيم وموسى عليهما السلام، نقول في ذكر الآيات ست حكايات: حكاية إبراهيم عليه السلام وبشارته، وحكاية قوم لوط ونجاة من كان فيها من المؤمنين، وحكاية موسى عليه السلام، وفي هذه الحكايات الثلاث ذكر الرسل والمؤمنين، لأن الناجين فيهم كانوا كثيرين، أما في حق إبراهيم وموسى عليهما السلام فظاهر، وأما في قوم لوط فلأن الناجين، وإن كانوا أهل بيت واحد، ولكن المهلكين كانوا أيضًا أهل بقعة واحدة.وأما عاد وثمود وقوم نوح فكان عدد المهلكين بالنسبة إلى الناجين أضعاف ما كان عدد المهلكين بالنسبة إلى الناجين من قوم لوط عليه السلام.فذكر الحكايات الثلاثَ الأول للتسلية بالنجاة، وذكر الثلاث المتأخرة للتسلية بإهلاك العدو، والكل مذكور للتسلية بدليل قوله تعالى في آخر هذه الآيات: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قالواْ ساحر أَوْ مَجْنُونٌ} إلى أن قال: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ وَذَكّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين} [الذاريات: 54، 55].وفي هود قال بعد الحكايات: {ذلك مِنْ أَنْبَاء القرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} إلى أن قال: {وكذلك أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِىَ ظالمة إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 100 102] فذكر بعدها ما يؤكد التهديد، وذكر بعد الحكايات هاهنا ما يفيد التسلي، وقوله: {العقيم} أي ليست من اللواقح لأنها كانت تكسر وتقلع فكيف كانت تلقح والفعيل لا يلحق به تاء التأنيث إذا كان بمعنى مفعول وكذلك إذا كان بمعنى فاعل في بعض الصور، وقد ذكرنا سببه أن فعيل لما جاء للمفعول والفاعل جميعًا ولم يتميز المفعول عن الفاعل فأولى أن لا يتميز المؤنث عن المذكر فيه لأنه لو تميز لتميز الفاعل عن المفعول قبل تميز المؤنث والمذكر لأن الفاعل جزء من الكلام محتاج إليه فأول ما يحصل في الفعل الفاعل ثم التذكير والتأنيث يصير كالصفة للفاعل والمفعول، تقول فاعل وفاعلة ومفعول ومفعولة، ويدل على ذلك أيضًا أن التمييز بين الفاعل والمفعول جعل بحرف ممازج للكلمة فقيل فاعل بألف فاصلة بين الفاء والعين التي هي من أصل الكلمة، وقيل مفعول بواو فاصلة بين العين واللام والتأنيث كان بحرف في آخر الكلمة فالمميز فيهما غير نظم الكلمة لشدة الحاجة وفي التأنيث لم يؤثر، ولأن التمييز في الفاعل والمفعول كان بأمرين يختص كل واحد منهما بأحدهما فالألف بعد الفاء يختص بالفاعل والميم والواو يختص بالمفعول والتمييز في التذكير والتأنيث بحرف عند وجوده يميز المؤنث وعند عدمه يبقى اللفظ على أصل التذكير فإذا لم يكن فعيل يمتاز فيه الفاعل عن المفعول إلا بأمر منفصل كذلك المؤنث والمذكر لا يمتاز أحدهما عن الآخر إلا بحرف غير متصل به.{مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)}.وفيه مباحث:الأول: في إعرابه وفيه وجهان.أحدهما: نصب على أنه صفة الريح بعد صفة العقيم ذكر الواحدي أنه وصف فإن قيل كيف يكون وصفًا والمعرفة لا توصف بالجمل وما تذر جملة ولا يوصف بها إلا النكرات؟ نقول الجواب فيه من وجهين.أحدهما: أنه يكون بإعادة الريح تقديرًا كأنه يقول: وأرسلنا عليهم الريح العقيم ريحًا ما تذر.ثانيهما: هو أن المعرف نكرة لأن تلك الريح منكرة كأنه يقول: وأرسلنا الريح التي لم تكن من الرياح التي تقع ولا وقع مثلها فهي لشدتها منكرة، ولهذا أكثر ما ذكرها في القرآن ذكرها منكرة ووصفها بالجملة من جملتها قوله تعالى: {بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24] وقوله: {رِيحٌ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا} [الحاقة: 6، 7] إلى غير ذلك.الوجه الثاني: وهو الأصح أنه نصب على الحال تقول جاءني ما يفهم شيئًا فعلمته وفهمته أي حاله كذا، فإن قيل لم تكن حال الإرسال ما تذر والحال ينبغي أن يكون موجودًا مع ذي الحال وقت الفعل فلا يجوز أن يقال جاءني زيد أمس راكبًا غدًا، والريح بعدما أرست بزمان صارت ما تذر شيئًا نقول المراد به البيان بالصلاحية أي أرسلناها وهي على قوة وصلاحية أن لا تذر، نقول لمن جاء وأقام عندك أيامًا ثم سألك شيئًا، جئتني سائلًا أي قبل السؤال بالصلاحية والإمكان، هذا إن قلنا إنه نصب وهو المشهور، ويحتمل أنه رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هي ما تذر.البحث الثاني: {مَا تَذَرُ} للنفي حال التكلم يقال ما يخرج زيد أي الآن، وإذا أردت المستقبل تقول لا يخرج أو لن يخرج، وأما الماضي تقول ما خرج ولم يخرج، والريح حالة الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم كانت ما تركت شيئًا إلا جعلته كالرميم فكيف قال بلفظ الحالة {مَا تَذَرُ} نقول الحكاية مقدرة على أنها محكية حال الوقوع، ولهذا قال تعالى: {وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} [الكهف: 18] مع أن اسم الفاعل الماضي لا يعمل وإنما يعمل ما كان منه بمعنى الحال والاستقبال.البحث الثالث: هل في قوله تعالى: {مَا تَذَرُ مِن شيء أَتَتْ عَلَيْهِ} مبالغة ودخول تخصيص كما في قوله تعالى: {تُدَمّرُ كُلَّ شيء بِأَمْرِ رَبّهَا} [الأحقاف: 25] نقول هو كما وقع لأن قوله: {أَتَتْ عَلَيْهِ} وصف لقوله: {شَىْء} كأنه قال كل شيء أتت عليه أو كل شيء تأتي عليه جعلته كالرميم ولا يدخل فيه السموات لأنها ما أتت عليها وإنما يدخل فيه الأجسام التي تهب عليها الرياح، فإن قيل فالجبال والصخور أتت عليها وما جعلتها كالرميم؟ نقول المراد أتت عليه قصدًا وهو عاد وأبنيتهم وعروشهم وذلك لأنها كانت مأمورة بأمر من عند الله فكأنها كانت قاصدة إياهم فما تركت شيئًا من تلك الأشياء إلا جعلته كالرميم مع أن الصر الريح الباردة والمكرر لا ينفك عن المعنى الذي في اللفظ من غير تكرير، تقول حث وحثحث وفيه ما في حث نقول فيه قولان.أحدهما: أنها كانت باردة فكانت في أيام العجوز وهي ثمانية أيام من آخر شباط وأول آذار، والريح الباردة من شدة بردها تحرق الأشجار والثمار وغيرهما وتسودهما.والثاني: أنها كانت حارة والصر هو الشديد لا البارد وبالشدة فسّر قوله تعالى: {فِى صَرَّةٍ} [الذاريات: 29] أي في شدة من الحر.البحث الرابع: في قوله تعالى: {مَا تَذَرُ مِن شيء أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم} لأن في قوله تعالى: {مَا تَذَرُ} نفي الترك مع إثبات الإتيان فكأنه تعالى قال تأتي على أشياء وما تتركها غير محرقة وقول القائل: ما أتى على شيء إلا جعله كذا يكون نفي الإتيان عما لم يجعله كذلك.{وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43)}.قوله تعالى: {وَفِى ثَمُودَ} والبحث فيه وفي عاد هو ما تقدم في قوله تعالى: {وَفِى موسى} [الذاريات: 38].وقوله تعالى: {إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ} قال بعض المفسرين: المراد منه هو ما أمهلهم الله ثلاثة أيام بعد قتلهم الناقة وكانت في تلك الأيام تتغير ألوانهم فتصفر وجوههم وتسود، وهو ضعيف لأن قوله تعالى: {فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} [الذاريات: 44] بحرف الفاء دليل على أن العتو كان بعد قوله: {تَمَتَّعُواْ} فإن الظاهر أن المراد هو ما قدر الله للناس من الآجال، فما من أحد إلا وهو ممهل مدة الأجل يقول له تمتع إلى آخر أجلك فإن أحسنت فقد حصل لك التمتع في الدارين وإلا فما لك في الآخرة من نصيب.{فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)}.فيه بحث وهو أن عتا يستعمل بعلى قال تعالى: {أيهم أشد على الرحمن عتيًا} [مريم: 69] وههنا استعمل مع كلمة عن فنقول فيه معنى الاستعتاء فحيث قال تعالى: {عن أمر ربهم} كان كقوله: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف: 206] وحيث قال على كان كقول القائل فلان يتكبر علينا، والصاعقة فيه وجهان ذكرناهما هنا.أحدها: أنها الواقعة.والثاني: الصوت الشديد وقوله: {وَهُمْ يَنظُرُونَ} إشارة إلى أحد معنيين إما بمعنى تسليمهم وعدم قدرتهم على الدفع كما يقول القائل للمضروب يضربك فلان وأنت تنظر إشارة إلى أنه لا يدفع، وإما بمعنى أن العذاب أتاهم لا على غفلة بل أنذروا به من قبل بثلاثة أيام وانتظروه، ولو كان على غفلة لكان لمتوهم أن يتوهم أنهم أخذوا على غفلة أخذ العاجل المحتاج، كما يقول المبارز الشجاع أخبرتك بقصدي إياك فانتظرني.{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)}.وقوله تعالى: {فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ} يحتمل وجهين أحدهما: أنه لبيان عجزهم عن الهرب والفرار على سبيل المبالغة، فإن من لا يقدر على قيام كيف يمشي فضلًا عن أن يهرب، وعلى هذا فيه لطائف لفظية.إحداها: قوله تعالى: {فَمَا استطاعوا} فإن الاستطاعة دون القدرة، لأن في الاستطاعة دلالة الطلب وهو ينبىء عن عدم القدرة والاستقلال، فمن استطاع شيئًا كان دون من يقدر عليه، ولهذا يقول المتكلمون الاستطاعة مع الفعل أو قبل الفعل إشارة إلى قدرة مطلوبه من الله تعالى مأخوذة منه وإليه الإشارة بقوله تعالى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة: 112] على قراءة من قرأ بالتاء وقوله: {فَمَا استطاعوا} أبلغ من قول القائل ما قدروا على قيام.ثانيها: قوله تعالى: {مِن قِيَامٍ} بزيادة من، وقد عرفت ما فيه من التأكيد.ثالثها: قوله: {قِيَامٍ} بدل قوله هرب لما بينا أن العاجز عن القيام أولى أن يعجز عن الهرب.الوجه الثاني: هو أن المراد من قيام القيام بالأمر، أي ما استطاعوا من قيام به.وقوله تعالى: {وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} أي ما استطاعوا الهزيمة والهرب، ومن لا يقدر عليه يقاتل وينتصر بكل ما يمكنه لأنه يدفع عن الروح وهم مع ذلك ما كانوا منتصرين، وقد عرفت أن قول القائل ما هو بمنتصر أبلغ من قوله ما انتصر ولا ينتصر والجواب ترك مع كونه يجب تقديره وقوله: (ما انتصر) أي لشيء من شأنه ذلك، كما تقول فلان لا ينصر أو فلان ليس ينصر.ثم قال تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)}.قرىء: {قَوْمٌ} بالجر والنصب فما وجههما؟ نقول: أما الجر فظاهر عطفًا على ما تقدم في قوله تعالى: {وَفِى عَادٍ} [الذاريات: 41] {وَفِى موسى} [الذاريات: 38]، تقول لك في فلان عبرة وفي فلان وفلان، وأما النصب فعلى تقدير: وأهلكنا قوم نوح من قبل، لأن ما تقدم دلّ على الهلاك فهو عطف على المحل، وعلى هذا فقوله: {مِن قَبْلُ} معناه ظاهر كأنه يقول: (وأهلكنا قوم نوح من قبل) وأما على الوجه الأول فتقديره: وفي قوم نوح لكم عبرة من قبل ثمود وعاد وغيرهم. اهـ.
.قال القرطبي: قوله تعالى: {وَفِي موسى} أي وتركنا أيضًا في قصة موسى آية.وقال الفراء: هو معطوف على قوله: {وَفِي الأرض آيَاتٌ} {وَفِي مُوسَى}.
|