الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»
.تفسير الآيات (30- 34): {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}قوله تعالى: {وقال نسوة في المدينة} قال جويبر: كن أربعاً: امرأة الحاجب وامرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة القهرمان. قال مقاتل: وامرأة صاحب السجن وفي هذه المدينة قولان:أحدهما: مصر.الثاني: عين شمس. {امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه} قلن ذلك ذماً لها وطعناً فيها وتحقيقاً لبراءة يوسف وإنكاراً لذنبه.والعزيز اسم الملك مأخوذ من عزته، ومنه قول أبى داؤد:{قد شغفها حبّاً} أي قد دخل حبه من شغاف قلبها. وفي شغاف القلب خمسة أقاويل:أحدها: أنه حجاب القلب، قاله ابن عباس.الثاني: أنه غلاف القلب وهو جلدة رقيقة بيضاء تكون على القلب وربما سميت لباس القلب، قاله السدي وسفيان.الثالث: أنه باطن القلب، قاله الحسن، وقيل هو حبة القلب.الرابع: أنه ما يكون في الجوف، قاله الأصمعي.الخامس: هو الذعر والفزع الحادث عن شدة الحب، قاله إبراهيم.وقد قرئ في الشواذ عن ابن محيصن: قد شعفها حباً (بالعين غير معجمة) واختلف في الفرق بينهما على قولين:أحدهما: أن الشغف بالغين معجمة هو الجنون وبالعين غير معجمة هو الحب، قاله الشعبي.والثاني: أن الشغف بالإعجام الحب القاتل، والشعف بغير إعجام دونه، قاله ابن عباس وقال أبو ذؤيب: {إنا لنراها في ضلال مبين} فيه وجهان: أحدهما: في ضلال عن الرشد وعدول عن الحق.الثاني: معناه في محبة شديدة. ولما اقترن شدة حبها بالشهوة طلبت دفع الضرر عن نفسها بالكذب عليه، ولو خلص من الشهوة طلبت دفع الضرر عنه بالصدق على نفسها.قوله عز وجل: {فلما سمعت بمكرهن} فيه وجهان:أحدهما: أنه ذمهن لها وإنكارهن عليها.الثاني: أنها أسرت إليهن بحبها له فأشعْن ذلك عنها.{أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ} وفي {أعتدت} وجهان:أحدهما: أنه من الإعداد.الثاني: أنه من العدوان.وفي (المُتْكَأ) ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه المجلس، قاله ابن عباس والحسن.والثاني: أنه النمارق والوسائد يتكأ عليها، قاله أبو عبيدة والسدي.الثالث: أنه الطعام مأخوذ من قول العرب اتكأنا عند فلان أي طعمنا عنده، وأصله أن من دعي إلى طعام أُعد له متكأ فسمي الطعام بذلك متكأ على الاستعارة. فعلى هذا أي الطعام هو؟فيه أربعة أقاويل:أحدها: أنه الزُّماورد، قاله الضحاك وابن زيد.الثاني: أنه الأترج، قاله ابن عباس ومجاهد وهو وتأويل من قرأها مخففة غير مهموزة، والمتْك في كلامهم الأترج، قال الشاعر: والإثم: الخمر، والمتك: الأترج.الثالث: أنه كل ما يجز بالسكين وهو قول عكرمة لأنه في الغالب يؤكل على متكأ.الرابع: أنه كل الطعام والشراب على عمومه، وهو قول سعيد بن جبير وقتادة.{وآتت كلَّ واحدة منهن سكيناً وقالت اخرج عليهن} وإنما دفعت ذلك إليهن في الظاهر معونة على الأكل، وفي الباطن ليظهر من دهشتهن ما يكون شاهداً عليهن. قال الزجاج: كان كالعبد لها فلم تمكنه أن يخرج إلا بأمرها.{فلما رأينه أكبرنه} وفيه ثلاثة تأويلات:أحدها: معناه أعظمنه، قاله ابن عباس.الثاني: معناه وجدن شأنه في الحسن والجمال كبيراً، قال ابن بحر.الثالث: معناه: حضن عند رؤيته، وهو قول رواه عبد الصمد بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس.وقيل: إن المرأة إذا جزعت أو خافت حاضت، وقد يسمى الحيض إكباراً، قال الشاعر: {وقطعن أيديهن} دهشاً ليكون شاهداً عليهن على ما أضمرته امرأة العزيز فيهن.وفي قطع أيديهن وجهان:أحدهما: أنهن قطعن أيديهن حتى بانت.الثاني: أنهن جرحن أيديهن حتى دميت، من قولهم قطع فلان يده إذا جرحها.{وقلن حاش لله} بالألف في قراءة أبي عمرو ونافع في رواية الأصمعي وقرأ الباقون حاش لله بإسقاط الألف، ومعناهما واحد.وفي تأويل ذلك وجهان:أحدهما: معاذ الله، قاله مجاهد.الثاني: معناه سبحان الله، قاله ابن شجرة.وفي أصله وجهان: أحدهما: أنه مأخوذ من قولهم كنت في حشا فلا أي في ناحيته.والثاني: أنه مأخوذ من قولهم حاش فلاناً أى اعزله في حشا يعني في ناحية. {ما هذا بشراً} فيه وجهان:أحدهما: ما هذا أهلاً للمباشرة.الثاني: ما هذا من جملة البشر. وفيه وجهان:أحدهما: لما علمهن من عفته وأنه لو كان من البشر لأطاعها.الثاني: لما شاهدن من حسنه البارع وجماله البديع {إن هذا إلا ملك كريم} وقرئ ما هذا بشراً (بكسر الباء والشين) أى ما هذا عبداً مشترى إن هذا إلا ملك كريم، مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيماً لشأنه.قوله عز وجل: {قال رب السجن أحب إلىَّ مما يدعونني إليه} وهذا يدل على أنها دعته إلى نفسها ثانية بعد ظهور حالهما، فقال: {رب السجن أحب إلىَّ} يعني الحبس في السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه.ويحتمل وجهين:أحدهما: أنه أراد امرأة العزيز فيما دعته إليه من الفاحشة وكنى عنها بخطاب الجمع إما تعظيماً لشأنها في الخطاب وإما ليعدل عن التصريح إلى التعريض.الثاني: أنه أراد بذلك جماعة النسوة اللاتي قطعن أيديهن حين شاهدنه لاستحسانهن له واستمالتهن لقلبه.{وإِلاَّ تصرف عني كيدهن} يحتمل وجهين:أحدهما: ما دعي إليه من الفاحشة إذا أضيف ذلك إلى امرأة العزيز.الثاني: استمالة قلبه إذا أضيف ذلك إلى النسوة.{أصْبُ إِليهن} فيه وجهان:أحدهما: أتابعهن، قاله قتادة.الثاني: أمل إليهن، ومنه قول الشاعر: .تفسير الآية رقم (35): {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}قوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات} في الآيات التي رأوها وجهان:أحدهما: قدُّ القميص وحز الأيدي.الثاني: ما ظهر لهم من عفته وجماله حتى قلن {ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم}.{ليسجننه حتى حين} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: أن الحين ها هنا ستة أشهر، قاله سعيد بن جبير.الثاني: أنه سبع سنين، قاله عكرمة.الثالث: أنه زمان غير محدود، قاله كثير من المفسرين.وسبب حبسه بعد ظهور صِدْقه ما حكى السدي أن المرأة قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني وقال إني راودته عن نفسه، فإما أن تطلقني حتى أعتذر وإما أن تحبسه مثل ما حبستني، فحبسه..تفسير الآية رقم (36): {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}قوله عز وجل: {ودخَلَ معه السجن فتيان} قال ابن عباس:كان أحدهما خازن الملك على طعامه، وكان الآخر ساقي الملك على شرابه، وكان الملك وهو الملك الأكبر الوليد بن الرّيان قد اتهمهما بسمّه فحبسهما، فحكى مجاهد أنهما قالا ليوسف لما حُبسا معه: والله لقد أحببناك حين رأيناك، فقال يوسف: أنشدكما بالله أن أحببتماني فما أحبّني أحد إلا دخل عليّ من حبه بلاء، لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ من حبها بلاء، ثم أحبني أبي فدخل عليّ من حبه بلاء، ثم أحبتني زوجة صاحبي العزيز فدخل عليّ من حبها بلاء، لا أريد أن يحبني إلا ربي.وقال {فتيان} لأنهما كان عبدين، والعبد يسمى فتى صغيراً كان أم كبيراً.{قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً وقال الآخر إني أراني أحملُ فوق رأسي خُبزاً تأكل الطير منه} وسبب قولهما ذلك ما حكاه ابن جرير الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال: إني أعبر الرؤيا، فسألاه عن رؤياهما وفيها ثلاثة أقاويل:أحدها: أنها كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها قال مجاهد وابن إسحاق: وكذلك صدق تأويلها. روى محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً».الثاني: أنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجربة، فلما أجابهما قالا: إنما كنا نلعب فقال {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} وهذا معنى قول ابن مسعود والسدي.الثالث: أن المصلوب منهما كان كاذباً، والآخر صادقاً، قاله أبو مجلز.وقوله {إني أراني أعصر خمراً} أي عنباً. وفي تسميته خمراً وجهان:أحدهما: لأن عصيره يصير خمراً فعبر عنه بما يؤول إليه.الثاني: أن أهل عُمان يسمون العنب خمراً، قال الضحاك. وقرأ ابن مسعود: إني أراني أعصر عنباً.{نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين} فيه ستة أقاويل:أحدها: أنهم وصفوه بذلك لأنه كان يعود مريضهم ويعزي حزينهم ويوسع على من ضاق مكانه منهم، قاله الضحاك.الثاني: معناه لأنه كان يأمرهم بالصبر ويعدهم بالثواب والأجر.الثالث: إنا نراك ممن أحسن العلم. حكاه ابن جرير الطبري.الرابع: أنه كان لا يرد عذر معتذر.الخامس: أنه كان يقضي حق غيره ولا يقضي حق نفسه.السادس: إنا نراك من المحسنين إن أنبأتنا بتأويل رؤيانا هذه، قاله ابن إسحاق..تفسير الآيات (37- 38): {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)}قوله عز وجل: {قَال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبّأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: لا يأتيكما طعام ترزقانه في النوم إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما في اليقظة قاله السدي.الثاني: لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يصلكما لأنه كان يخبر بما غاب مثل عيسى، قاله الحسن.الثالث: أن الملك كان من عادته إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً معروفاً وأرسل به إليه، فكره يوسف تعبير رؤيا السوء قبل الإياس من صاحبها لئلا يخوفه بها فوعده بتأويلها عند وصول الطعام إليه، فلما ألحّ عليه عبرها، لئلا يخوفه بها فوعده بتأويلها عند وصول الطعام إليه، فلما ألحَّ عليه عبرها، قاله ابن جريج. وكذلك روى ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من رأى رؤيا فلا يقصها إلا على حبيب أو لبيب».{ذلكما مما علمنى ربي} يعني تأويل الرؤيا.{إني تركت ملة قومٍ لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون}. وإنما عدل عن تأويل ما سألاه عنه لما كان فيها من الكرامة، وأخبر بترك ملة قوم لا يؤمنون تنبيهاً لهم على ثبوته وحثاً لهم على طاعة الله.قوله عز وجل: {ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس} قال ابن عباس: من فضل الله علينا أن جعلنا أنبياء، وعلى الناس أن بعثنا إليهم رسلاً.ويحتمل وجهاً آخر ذلك من فضل الله علينا في أن برأنا من الزنى، وعلى الناس من أن خلصهم من مأثم القذف.
|