الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال **
44177- {مسند الصديق} عن عمرو بن دينار قال: خطب أبو بكر فقال: أوصيكم بالله لفقركم وفاقتكم أن تتقوه وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تستغفروه إنه كان غفارا، واعلموا أنكم ما أخلصتم لله فربكم أطعتم، وحقه وحقكم حفظتم، فأعطوا ضرائبكم في أيام سلفكم واجعلوها نوافل بين أيديكم حتى تستوفوا سلفكم وضرائبكم حين فقركم وحاجتكم، ثم تفكروا عباد الله فيمن كان قبلكم أين كانوا أمس وأين هم اليوم! أين الملوك الذين كانوا أثاروا الأرض وعمروها! قد نسوا ونسى ذكرهم فهم اليوم كلاشيء، فتلك بيوتهم خاوية وهم في ظلمات القبور، (حل). 44178- عن أنس قال: كان أبو بكر يخطبنا فيذكر بدء خلق الإنسان فيقول: خلق من مجرى البول مرتين - فيذكر حتى ينقذر؟؟ أحدنا نفسه. (ش). 44179- عن نعيم بن قحمة قال: كان في خطبة أبو بكر الصديق: أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم، فمن استطاع أن ينقضى الأجل وهو في عمل الله فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلا بالله، إن أقواما جعلوا آجالهم لغيرهم، فنهاكم الله أن تكونوا أمثالهم، (طب، حل؛ قال ابن كثير: إسناده جيد). 44180- عن عبد الله بن عكيم قال: خطبنا أبو بكر فقال: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله عز وجل، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وعلى أهل بيته فقال: (ش، وهناد، حل، ك، ق، في، وروى بعضه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل). 44181- عن ابن الزبير أن أبا بكر قال وهو يخطب: يا معشر الناس! استحيوا من الله، فوالذي نفسي بيده! إني لأظل حتى أذهب إلى الغائط في الفضاء مغطيا رأسي - وفي لفظ: مقنعا رأسي - استحياء من ربي. (ابن المبارك، ش، ورسته، والخرائطي في مكارم الأخلاق). 44182- عن عمرو بن دينار قال قال أبو بكر: استحيوا من الله، فوالله إني لأدخل الكنيف فأسند ظهري إلى الحائط وأغطي رأسي حياء من الله عز وجل. (عب، وهناد، والخرائطي). 44183- عن محمد بن إبراهيم بن الحارث إن أبا بكر الصديق خطب الناس فقال: والذي نفسي بيده! لئن اتقيتم وأحصنتم؟؟ ليوشكن أن لا يأتي عليكم إلا يسير حتى تشبعوا من الخبز والسمن. (ابن أبي الدنيا، والدينوري). 44184- عن موسى بن عقبة أن أبا بكر الصديق كان يخطب فيقول: الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت، فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وسراجا منيرا، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل ضلالا مبينا، أوصيكم بتقوى الله والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم وهداكم به، فإنه جوامع هدى الإسلام بعد كلمة الإخلاص، السمع والطاعة، لمن ولاه الله أمركم! فإنه من يطع والي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد أفلح وأدى الذي عليه من الحق، وإياكم واتباع الهوى! قد أفلح من حفظ من الهوى والطمع والغضب، وإياكم والفخر! وما فخر من خلق من تراب ثم إلى التراب يعود ثم يأكله الدود! ثم هو اليوم حي وغدا ميت! فاعملوا يوما بيوم وساعة بساعة، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا فإن العمل كله بالصبر، واحذروا فالحذر ينفع، واعملوا فالعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعوا فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا تفهموا، واتقوا توقوا، فإن الله تعالى قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم وما نجا به من نجا قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه وما يحب من الأعمال وما يكره، فإني لا آلوكم ونفسي - والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله! واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم واغتبطتم، وما تطوعتم به فاجعلوه نوافل بين أيديكم تستوفوا بسلفكم وتعطوا جزاءكم حين فقركم وحاجتكم إليها، ثم تفكروا عباد الله في إخوانكم وصحابتكم الذين مضوا! قد وردوا على ما قدموا فأقاموا عليه، وحلوا في الشقاء والسعادة فيما بعد الموت، إن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيرا، ولا يصرف عنه سوء إلا بطاعته واتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة - أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، وصلوا على نبيكم صلى الله عليه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. (ابن أبي الدنيا في كتاب الحذر، كر). 44185- عن القاسم بن محمد قال: كتب أبو بكر إلى عمرو والوليد بن عقبة وكان بعثهما على الصدقة، وأوصى كل واحد منهما بوصية واحدة: اتق الله في السر والعلانية، فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتق الله يكفر عنه سيئآته ويعظم له أجرا، فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله، إنك في سبيل الله لا يسعك فيه الإدهان (الادهان: المداهنة: كالمصانعة، والادهان مثله. كقوله تعالى: (كر). 44186- عن قبيصة قال: سمعت عمر وهو يقول على المنبر: من لا يرحم لا يرحم، ومن لا يغفر لا يغفر له، ومن لا يتوب لا يتاب عليه، ومن لا يتق لا يوقه. (خ في الأدب، وابن خزيمة، وجعفر القاري في الزهد). 44187- عن الباهلي أن عمر قام في الناس خطيبا مدخله في الشام بالجابية فقال: تعلموا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه لم يبلغ منزلة ذي حق أن يطاع في معصية الله، واعلموا أنه لا يقرب من أجل ولا يبعد من رزق الله قول بحق وتذكير عظيم، واعلموا أن بين العبد وبين رزقه حجابا، فإن صبر أتاه رزقه، وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يدرك فوق رزقه، وأدنوا الخيل وانتضلوا وانتعلوا وتسوكوا وتمعددوا (وتمعددوا: ومعد: أبو العرب، وهو معد بن عدنان: وتمعدد الرجل: تزيا بزيهم، أو انتسب إليهم، أو تصبر على عيشهم. وقال عمر رضي الله عنه: اخشوشنوا وتمعددوا. أ ه صفحة 329. المختار. ب)؛ وإياكم وأخلاق العجم، ومجاورة الجبارين وأن يرفع بين ظهرانيكم صليب، وأن تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر، وتدخلوا الحمام بغير إزار، وتدعوا نساءكم يدخلن الحمامات، فإن ذلك لا يحل؛ وإياكم أن تكسبوا من عقد الأعاجم بعد نزولكم في بلادهم ما يحبسكم في أرضهم! فإنكم توشكون أن ترجعوا إلى بلادكم؛ وإياكم والصغار أن تجعلوه في رقابكم! وعليكم بأموال العرب الماشية تنزلون بها حيث نزلتم! واعلموا أن الأشربة تصنع من ثلاثة: من الزبيب والعسل والتمر، فما عتق منه! فهو خمر لا يخل؛ واعلموا أن الله لا يزكي ثلاثة نفر، ولا ينظر إليهم، ولا يقربهم يوم القيامة، ولهم عذاب أليم: رجل أعطى إمامه صفقة يريد بها الدنيا، فإن أصابها وقى له، وإن لم يصبها لم يف له؛ ورجل خرج بساعته بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فاشتريت لقوله؛ وسباب المؤمن فسوق وقتاله كفر، ولا يحل لك أن تهجر أخاك فوق ثلاثة أيام؛ ومن أتى ساحرا أو كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. (العدني). 44188- عن السائب بن مهجان من أهل الشام وكان قد أدرك الصحابة قال: لما دخل عمر الشام حمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا خطيبا كقيامي فيكم، فأمر بتقوى الله وصلة الرحم وصلاح ذات البين، وقال: عليكم بالجماعة - وفي لفظ: بالسمع والطاعة - فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما، ومن ساءته سيئته وسرته حسنته فهي أمارة المسلم المؤمن، وأمارة المنافق الذي لا تسوءه سيئته ولا تسره حسنته، إن عمل خيرا لم يرج من الله في ذلك الخير ثوابا، وإن عمل شرا لم يخف من الله في ذلك الشر عقوبة، فأجملوا في طلب الدنيا، فإن الله قد تكفل بأرزاقكم، وكل سيتم له عمله الذي كان عاملا، استعينوا بالله على أعمالكم فإنه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، صلى الله على نبينا محمد وعلى آله، وعليه السلام ورحمة الله، السلام عليكم. (ابن مردويه، هب، كر، وقالا: هذه خطبة عمر بن الخطاب على أهل الشام أثرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). 44189- عن عمر أنه كتب إلى ابنه عبد الله بن عمر: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله، فإنه من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكر زاده، ولتكن التقوى نصب عينيك وعماد عملك وجلاء قلبك، فإنه لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له. (ابن أبي الدنيا في التقوى، وأبو بكر الصولى في جزئه، كر). 44190- عن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عماله فكان في آخر كتابه أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، قال من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضاء والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته سيئاته عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة، فتذكر ما توعظ به لكي تنتهى عما تنهى عنه. (ق في الزهد، كر). 44191- عن الحسن قال: أتى عمر بن الخطاب رجل فقال: يا أمير المؤمنين! إني رجل من أهل البادية وإن لي أشغالا، فأوصني بأمر يكون لي ثقة وأبلغ به، فقال: اعقل، أرني يدك، فأعطاه يده، فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتحج وتعتمر، وتطيع، وعليك بالعلانية! وإياك والسر! وعليك بكل شيء إذا ذكر ونشر لم تستحي منه ولم يفضحك! وإياك وكل شيء إذا ذكر ونشر استحييت وفضحك! فقال: يا أمير المؤمنين! أعمل بهن، فإذا لقيت ربي أقول: أخبرني بهن عمر بن الخطاب، فقال: خذهن، فإذا لقيت ربك فقل له ما بدا لك. (كر). 44192- عن الحسن قال: كان عمر يقول: أكثروا ذكر النار، فإن حرها شديد، وإن قعرها بعيد، وإن مقامعها حديد. (ش). 44193- عن عمر أنه كتب إلى معاوية بن أبي سفيان: أما بعد! فالزم الحق يبين لك الحق منازل أهل الحق، ولا تقض إلا بالحق - والسلام. (أبو الحسن بن رزقويه في جزئه). 44194- عن أبي خالد الغساني قال: حدثني مشيخة من أهل الشام أدركوا عمر قالوا: لما استخلف عمر صعد المنبر فلما رأى الناس أسفل منه حمد الله؛ ثم كان أول كلام تكلم به بعد الثناء على الله وعلى رسوله: هون عليك فإن الأمور * بكف لإله مقاديرها فليس بآتيك منهيها * ولا قاصر عنك مأمورها (العسكري). 44195- عن عمر قال: أوصيكم بالله إن أنتم بالله خلوتم. (العسكري في السرائر). 44196- عن عمر قال: اعتزل ما يؤذيك، وعليك بالخليل الصالح! وقل ما تجده وشاور في أمرك الذين يخافون الله. (هب). 44197- عن سماك بن حرب قال: سمعت معرورا أو ابن معرور التميمي قال سمعت عمر بن الخطاب وصعد المنبر، قعد دون مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقعدين فقال: أوصيكم بتقوى الله، واسمعوا وأطيعوا لمن ولاه الله أمركم. (ابن جرير). 44198- عن أبي هريرة قال: كان عمر بن الخطاب يقول في خطبته: أفلح منكم من حفظ من الهوى والغضب والطمع، ووفق إلى الصدق في الحديث، فإنه يجره إلى الخير، من يكذب يفجر، ومن تفجر يهلك، إياكم والفجور! ما فجور من خلق من التراب وإلى التراب يعود، اليوم حي وغدا ميت! اعملوا عمل يوم بيوم، واجتنبوا دعوة المظلوم، وعدوا أنفسكم من الموتى. (ق). 44199- عن يحيى بن جعدة قال: مر عمر بن الخطاب على يسار فسلم عليه وقال: والذي لا إله إلا هو! ما من إله إلا الله، وأوصيكم بتقوى الله. (عب). 44200- عن عمر قال: يا معشر القراء! ارفعوا رؤوسكم، ما أوضح الطريق! فاستبقوا الخيرات، ولا تكونوا كلا على المسلمين. (العسكري في المواعظ، هب). 44201- عن عمر قال: استغزروا الدموع بالتذكر. (ابن أبي الدنيا في... والدينوري). 44202- عن عمر أنه وعظ رجلا فقال: لا تلهك الناس عن نفسك، فإن الأمر يصير إليك دونهم، ولا تقطع النهار ساربا، فإنه محفوظ عليك ما عملت، وإذا أسأت فأحسن، فإني لا أرى شيئا أشد طلبا ولا أسرع دركة من حسنة حديثة لذنب قديم. (الدينوري). 44203- عن عمر أنه قال في خطبته: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر يوم (ابن المبارك، ص، ش، حم في الزهد، كر، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس، حل، كر). 44204- عن عمر قال: من أراد الحق فلينزل بالبراز يعني يظهر أمره. (ش). 44205- عن جويبر عن الضحاك قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد! فإن القوة في العمل أن لا تؤخروا عمل اليوم لغد، فإنكم إذا فعلتم ذلك تداركت عليكم الأعمال، فلا تدرون أيها تأخذون فأضعتم، فإن خيرتم بين أمرين أحدهما للدنيا والآخر للآخرة فاختاروا أمر الآخرة على أمر الدنيا، فإن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، كونوا من الله على وجل، وتعلموا كتاب الله فإنه ينابيع العلم وربيع القلوب. (ش). 44206- عن عمر قال: كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم، وعدوا أنفسكم من الموتى، واسألوا الله رزق يوم بيوم، ولا يضركم إن يكثر لكم. (سفيان بن عيينة في جامعه، حم في الزهد، حل). 44207- عن سعيد بن أبي بردة قال: كتب عمر إلى أبي موسى: أما بعد! فإن أسعد الرعاة من سعدت رعيته، وإن أشقى الرعاة من شقيت رعيته، وإياك أن ترتع فترتع عمالك! فيكون مثلك عند ذلك مثل بهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرتعت فيها تبتغي بذلك السمن، وإنما حتفها في سمنها - والسلام عليك. (ش، حل). 44208- عن محمد بن سوقة قال: أتيت نعيم بن أبي هند فأخرج إلي صحيفة فإذا فيها: من أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب، سلام عليك، أما بعد!ّ فإنا عهدنا وأمر نفسك لك مثلهم، وأصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها يجلس بين يديك الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل، فأنت كيف أنت عند ذلك يا عمر! فإنا نحذرك يوما تعيي فيه الوجوه، وتجف فيه القلوب، وتقطع فيه الحجج بملك قهرهم بجبروته والخلق داخرون له، يرجون رحمته ويخافون عقابه، وإنا كنا نحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر أن تكون إخوان العلانية أعداء السريرة؛ وإنا نعوذ بالله أن ينزل كتابنا إليك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، فإنا كتبنا به نصيحة والسلام عليك، فكتب إليهما: من عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ومعاذ بن جبل، سلام عليكما، أما بعد! فإنكما كتبتما إلي تذكر أن أنكما عهدتماني وأمر نفسي لي مثلهم، فإني قد أصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها يجلس بين يدي الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من ذلك؛ وكتبتما فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر! وإنه لاحول ولاقوة عند ذلك لعمر إلا بالله، وكتبتما تحذراني ما حذرت به الأمم قبلنا، وقديما كان اختلاف الليل والنهار بآجال الناس يقربان كل بعيد ويبليان كل جديد، يأتيان بكل موعود حتى يصيران الناس إلى منازلهم من الجنة والنار؛ كتبتما تذكران أنكما تحدثان أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها أن تكون إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك، هذا ليس بزمان ذلك، وإن ذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، تكون رغبة بعض الناس إلى بعض لصلاح دنياهم، ورهبة بعض الناس من بعض؛ كتبتما به نصيحة تعظاني بالله أن أنزل كتابكما سوى المنزل الذي نزل من قلوبكما، فإنكما كتبتما به وقد صدقتما فلا تدعا الكتاب إلي، فإني لا غنى بي عنكما والسلام عليكما. (ش، وهناد). 44209- عن ابن الزبير قال: قال عمر بن الخطاب: إن لله عبادا يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحد بذكره، رغبوا فرعبوا، ورهبوا فرهبوا، إن خافوا فلا يأمنون، أبصروا من اليقين ما لم يعاينوا، فخلطوه بما لم يزالوا، أخلقهم الخوف، فكانوا يهجرون بما ينقطع عنهم لما يبقي لهم، الحياة عليهم نعمة والموت لهم كرامة. فزوجوا الحور العين وأخدموا الولدان المخلدين. (حل). 44210- عن زياد بن حدير أن عمر بن الخطاب قال: يا زياد ابن حدير! هل تدري ما يهدم الإسلام؟ إمام ضلالة، وجدال منافق بالقرآن ودين يقطع أعناقكم، وأخشى عليكم زلة عالم، فأما زلة العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، وإن زل فلا تقطعوا منه إياسكم؟؟، فإن العالم يزل ثم يتوب، ومن جعل الله غناه في قلبه فقد أفلح. (العسكري في المواعظ). 44211- عن الحسن أن عمر كان يقول: يا أيها الناس! إنه من يتق الشر يوقه، ومن يتبع الخير يؤته. (العسكري في المواعظ). 44212- عن أبي فراس قال: خطب عمر بن الخطاب فقال: أيها الناس! ألا إنما كنا نعرفكم إذ بين ظهرانينا النبي صلى الله عليه وسلم وإذ ينزل الوحي وإذ ينبئنا الله من أخباركم، ألا! وإن النبي صلى الله عليه وسلم قد انطلق وانقطع الوحي، وإنما نعرفكم بما نقول لكم، من أظهر منكم خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه، ومن أظهر لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم، ألا إنه قد أتى على حين وأنا أحسب أن من قرأ القرآن يريد الله وما عنده، فقد خيل إلي بآخره أن رجالا قد قرؤه يريدون به ما عند الناس، فأريدوا الله بقراءته. وأريدوه بأعمالكم، ألا! وإني والله ما أدجل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفسي بيده! إذا لأقصنه منه، ألا! لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم. (حم، وابن سعد، وابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن راهويه في خلق أفعال العباد، وهناد ومسدد وابن خزيمة، والعسكري في المواعظ، وأبو ذر الهروي في الجامع، ك، ق، كر ص). 44213- حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري حدثنا موسى ابن عقبة قال: هذه خطبة عمر بن الخطاب يوم الجابية: أما بعد! فإني أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي بطاعته يكرم أولياؤه، وبمعصيته يضل أعداؤه، فليس لهالك هلك معذرة في فعل ضلالة حسبها هدى، ولا في ترك حق حسبه ضلالة، وإن أحق ما تعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بما لله عليه من وظائف دينهم الذي هداهم الله له، وإنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به من طاعته وننهاكم عما نهاكم الله عنه من معصيته، وأن نقيم فيكم أمر الله عز وجل في قريب الناس وبعيدهم، ولا نبالي على من مال الحق، وقد علمت أن أقواما يتمنون في دينهم فيقولون: نحن نصلي مع المصلين، ونجاهد مع المجاهدين، وننتحل الهجرة، وكل ذلك يفعله أقوام لا يحملونه بحقه. وإن الإيمان ليس بالتحلي، وإن للصلاة وقتا اشترطه الله فلا تصلح إلا به، فوقت صلاة الفجر حين يزايل المرء ليله ويحرم على الصائم طعامه وشرابه، فآتوها حظها من القرآن، ووقت صلاة الظهر إذا كان القيظ فحين تزيغ عن الفلك حتى يكون ظلك مثلك، وذلك حين يهجر المهجر، فإذا كان الشتاء فحين تزيغ عن الفلك حتى تكون على حاجبك الأيمن مع شروط الله في الوضوء والركوع والسجود، وذلك لئلا ينام عن الصلاة، ووقت صلاة العصر والشمس بيضاء نقية قبل أن تصفار قدر ما يسير الراكب على الجمل الثقال فرسخين قبل غروب الشمس، وصلاة المغرب حين تغرب الشمس ويفطر الصائم، وصلاة العشاء حين يعسعس الليل وتذهب حمرة الأفق إلى ثلث الليل، فمن رقد قبل ذلك فلا أرقد الله عينيه، هذه مواقيت الصلاة، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. ويقول الرجثي: قد هاجرت، ولم يهاجر، وإن المهاجرين الذين هجروا السيئات، ويقول أقوام: جاهدنا، وإن الجهاد في سبيل الله مجاهدة العدو واجتناب الحرام، وقد يقاتل أقوام يحسنون القتال، لا يريدون بذلك الأجر ولا الذكر، وإنما القتل حتف من الحتوف، وكل امرئ على ما قاتل عليه، وإن الرجل ليقاتل بطبيعته من الشجاعة فينجي من يعرف ومن لا يعرف، وإن الرجل ليجبن بطبيعته فيسلم أباه وأمه وإن الكلب ليهر (ليهر: هرير الكلب: صوته دون نباحه من قلة صبره على البرد. وقد هر يهر - بالكسر - هريرا. أ ه صفحة 550 المختار. ب) من وراء أهله. واعلموا أن الصوم حرام يجتذب فيه أذى المسلمين، كما يمنع الرجل من لذته من الطعام والشراب والنساء، فذلك الصيام التام، وإيتاء الزكاة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة بها أنفسهم، فلا يرون عليها برا، فافهموا ما توعظون به، فإن الحرب من حرب دينه، وإن السعيد من وعظ بغيره، وإن الشقى من شقى في بطن أمه، وإن شر الأمور مبتدعاتها، وإن الاقتصاد في سنة خير من الاجتهاد في بدعة، وإن للناس نفرة عن سلطانهم، فعائذ بالله أن يدركني! وإياكم ضغائن مجبولة وأهواء مشبعة ودنيا مؤثرة! وقد خشيت أن تركنوا إلى الذين ظلموا فلا تطمئنوا إلى من أوتى مالا، وعليكم بهذا القرآن! فإن فيه نورا وشفاء، وغيره الشقاء، وقد قضيت الذي علي فيما ولاني الله عز وجل من أموركم، ووعظتكم نصحا لكم، وقد أمرنا لكم بأرزاقكم، وقد جندنا لكم جنودكم وهيأنا لكم مغازيكم، وأثبتنا لكم منازلكم ووسعنا لكم ما بلغ فيكم وما قاتلتم عليه بأسيافكم، فلا حجة لكم على الله بل لله الحجة عليكم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. (...). 44214- عن الشعبي قال: لما ولى عمر بن الخطاب صعد المنبر فقال: ما كان الله ليراني أن أرى نفسي أهلا لمجلس أبو بكر، فنزل مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اقرؤا القرآن تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية، إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله، ألا! وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولى اليتيم، إن استغنيت عففت: وإن افتقرت أكلت بالمعروف. (الدينوري).
|